للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال محمد -رحمه الله-: لا يجوز؛ لأنه لا عتق بدون الملك، إلى أن قال: وكذا لا يصح بيع المشتري من الغاصب، فمحمد قاس الإعتاق بالبيع، يعني أن رجلاً لو اشترى العبد من الغاصب فباعه من آخر، ثم أدى الغاصب الضمان (١)، أو أجاز المالك لا يجوز بيع المشتري من الغاصب، فكذا (٢) لا يجوز إعتاق [المشتري من] (٣) الغاصب، مع أن المبيع أقل احتياجًا (٤) إلى الملك في النفوذ من العتق؛ لأن الغاصب إذا باع ثم أجاز المالك يصح البيع أما إذا أعتق ثم أجاز المالك لا يصح الإعتاق، وقال الإمام قاضي خان (٥): وحاصل الخلاف راجع إلى أن عند محمد بيع الفضولي لا ينعقد في حق الحكم؛ لانعدام الولاية، فكان الإعتاق حاصلاً في ملك الغير فيبطل، كما لو باعه المشتري الأول، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- بيع الفضولي أوجب (٦) الملك على وجه التوقف؛ لأن الأصل في البيع المنعقد تعجيل الحكم، والتراخي إلى وقت الإجارة لدفع (٧) الضرر عن المالك، والضرر في النفاذ لا في ثبوت الملك على وجه لا يظهر أثره في التصرفات الضارة، فإعتاق المشتري صارف (٨) ملكًا موقوفًا فيتوقف، وإنما لا ينفذ البيع الثاني؛ لأن المولى إذا أجاز البيع الأول يثبت الملك للمشتري الأول على وجه الثبات، وطروء الملك البات يبطل الملك الموقوف، وهذا لا يوجد في الإعتاق، فينفذ إعتاق المشتري ويكون الولاية (٩)، والمصحح للإعتاق الملك الكامل.

فإن قيل: لا نسلم [أن الملك الكامل شرط لصحة الإعتاق] (١٠)، بل الملك الناقص يكفي لصحة الإعتاق، ألا ترى أنه لو أعتق المكاتب يصح، والملك في المكاتب ناقص بدليل حرمة وطء المكاتبة، بخلاف المدبرة (١١)، فإن الملك فيها كامل والرق ناقص، وفي المكاتبة على العكس.

قلنا: نعم كذلك، إلا أن الكتابة (١٢) ينفسخ (١٣) في ضمن الإعتاق؛ لما أن عقد الكتابة غير لازم في جانب العبد، وأنه لما رضي بالإعتاق بالبدل (كان أرض) (١٤) للإعتاق بدون البدل؛ لما روينا، وهو قوله -عليه السلام-: «لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم» (١٥)، ولهذا لا يصح أن يعتق الغاصب ثم يؤدي الضمان، يعني أن الغاصب لو أعتق ثم ضمن القيمة لم ينفذ عتقه، مع أن الملك الثابت له بالضمان أقوى من الملك الثابت للمشتري ههنا، حتى ينفذ بيعه لو باعه هناك، ولا ينفذ بيع المشتري ههنا لو كان باعه، ثم هناك لم ينفذ عتقه فههنا أولى، ثم ههنا لما لم ينفذ إعتاق الغاصب مع إدائه الضمان إلى المالك فإعتاق من يتلقى الملك من جانبه وهو إعتاق المشتري من الغاصب أن لا ينفذ أولى.


(١) في (ت): و.
(٢) في (ت): فكذلك.
(٣) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٤) في (ت): احتياطًا.
(٥) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٤/ ١٠٧).
(٦) في (ت): واجب.
(٧) في (ت): الإجازة كدفع.
(٨) في (ت): صادق.
(٩) في (ت): الولاء له.
(١٠) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(١١) التَّدْبيرُ: عِتْق العَبْدِ والأَمَة بعد الموت، سمي تدبيراً لوقوعه دَبْرَ الحياة وفي الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: «المدَبَّرُ حُرٌّ من الثُلث». شمس العلوم (٤/ ٢٠٢٥).
(١٢) المكاتبة لغة: من كاتب يكاتب كتابا ومكاتبة، وهي معاقدة بين العبد وسيده. ينظر: المصباح المنير مادة " كتب " (٢/ ٥٢٥).
واصطلاحًا: المكاتبة تعليق عتق بصفة على معاوضة مخصوصة. ينظر: (فتح الباري شرح صحيح البخاري لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي، الناشر: دار المعرفة - بيروت، ١٣٧٩، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب، عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ٥/ ١٨٤).
(١٣) في (ت): تنفسخ.
(١٤) في (ت): لكان أرضى.
(١٥) أخرجه أبو داود في كتاب الطلاق، باب في الطلاق قبل النكاح (٢١٩٠) وأحمد في مسنده (٢/ ١٨٥)، وحسنه الألباني.