للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وما ذكره عيسى [بن أبان] (١) أصح؛ لأن المعقود عليه في السلم المسلم فيه، فإنما يشتغل بتصحيح العقد في المحل الذي أوجبا العقد فيه، وذلك غير ممكن، ولا وجه لتصحيحه في محل آخر؛ لأنهما لم يوجبا العقد فيه (٢).

وكذا في المزروعات يجوز، (وصي كالثياب) (٣) والبُسُط والحُصُر والبواري.

فإن قيل: ينبغي أن لا يجوز السلم في المزروعات؛ لأن السلم ثبت بخلاف القياس؛ لأنه بيع المعدوم، والنص ورد في الكيلي والوزني؛ لقوله -عليه السلام-: «من أسلم منكم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم» (٤)، والكيل والوزن ليسا بموجودين في المزروع فيجب أن لا يجوز.

قلنا: يلحق المزروعات بالمكيلات والموزونات بدلالة النص؛ لما أن قوله [عليه السلام] (٥): فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إنما اقتضى الجواز في المكيل والموزون بالمكيلات والموزونات] (٦) باعتبار إمكان التسوية في التسليم على ما وصف في المسلم فيه، والتسوية كما تتحقق بالكيل (٧) كذلك تتحقق بالزرع (٨)، فيجوز السلم في المزروعات بطريق الدلالة.

فإن قيل: إنما يجوز العمل بدلالة النص (٩) إذا لم يعارضه عبارة النص، وهنا عبارة قوله -عليه السلام-: «لا تبع ما ليس عندك» (١٠) نافية لإلحاق المزروع بالكيلي؛ لأن تلك العبادة (١١) لما خصت بالكيلي والوزني بقوله (١٢) -عليه السلام-: «من أسلم منكم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم» (١٣) انحصر الجواز في الكيلي والوزني، وبقي ما ورائهما تحت [نفي] عبارة قوله -عليه السلام-: «لا تبع ما ليس عندك» (١٤)، والمزروع مما ورائهما، فكانت العبارة نافية للدلالة، فلا يصح العمل بالدلالة حينئذ.


(١) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٢) المبسوط (١٢/ ١٢١).
(٣) في (ت): وهي الثياب.
(٤) أخرجه البخاري في كتاب السلم- باب السلم في وزن معلوم (٢٢٤١)، ومسلم في كتاب المساقاة- باب السلم (١٦٠٤).
(٥) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٦) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٧) في (ت): بالمكيل.
(٨) في (ت): بالمزروع.
(٩) عرفه الشاشي الحنفي بقوله: "وَأما دلَالَة النَّص فَهِيَ مَا علم عِلّة للْحكم الْمَنْصُوص عَلَيْهِ لُغَة لَا اجْتِهَادًا وَلَا استنباطا مِثَاله فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَا تقل لَهما أُفٍّ وَلَا تنهرهما}. أصول الشاشي (ص: ١٠٤).
(١٠) أخرجه أحمد في «مسنده» (٣/ ٤٠٢)، وأبو داود في كتاب البيوع- باب في الرجل يبيع ما ليس عنده (٣٥٠٣)، والترمذي في كتاب البيوع- باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك (١٢٣٢)، والنسائي في كتاب البيوع- باب بيع ما ليس عند البائع (٤٦١٣)، وابن ماجه في كتاب التجارات- باب النهي عن بيع ما ليس عندك (٢١٨٧)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (٧٢٠٦).
(١١) في (ت): العبارة.
(١٢) في (ت): لقوله.
(١٣) أخرجه البخاري في كتاب السلم- باب السلم في وزن معلوم (٢٢٤١)، ومسلم في كتاب المساقاة- باب السلم (١٦٠٤).
(١٤) تقدم.