للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلنا: هذا الذي ذكرته حجة عليك؛ لأن العام من الكتاب إذا خص منه البعض لا يبقى [الباقي] حجة أصلًا عند أبي الحسن، فكيف في السنة، وعلى القول المختار إن بقي (١) حجة ولكن مرتبته دون مرتبة القياس، وخبر الواحد بدليل جواز التخصيص بالقياس.

ولاشك أن دلالة النص أقوى من القياس وخبر الواحد، حتى وجبت بها الحدود والكفارات، ولم يثبت هي بالقياس وخبر الواحد، فعلم بهذا أن دلالة النص أقوى من الذي هو أقوى من العام الذي خص منه البعض، وهو (٢) القياس وخبر الواحد، فلما لم يصلح (٣) العام الذي حصل (٤) منه البعض معارضًا لما هو أدنى من دلالة النص وهو القياس وخبر الواحد، فلأن لا يكون معارضًا لدلالة النص أولى، فثبت أن حكم دلالة النص بقي سالمًا عن المعارض، فلذلك عملنا به وأجرينا حكم السلم في المزروعات والعدديات المتقاربة؛ إلحاقًا بالمكيلات والموزونات بدلالة النص.

فإن قلت: من شرط دلالة النص أن يكون الثابت بها (٥) مساويًا (٦) لما ثبت بالنص من جميع الوجوه، كما في رجم غير ماعز، وأقوى منه كما حرمة الضرب والشتم في حق الأبوين؛ لما عرف حتى لو اختلت المساواة في بعض الوجوه كان ذلك قياسًا لا دلالة، وبعدما ثبت حكم جواز السلم بخلاف القياس، لا يمكن أن يقال بأن جواز السلم في المزروعات بالقياس، ثم هذا الشرط وهو المساواة بين المزروعات وبين المكيلات والموزونات من جميع الوجوه غير ثابت، بل الفرق بينهما ثابت بوصف أعظم وجوه التفاوت، وهو أن الثياب وإن بولغ في ذكر ضبطها بذكر الذرع والصفة والصنعة لم تخرج من أن تكون من ذوات القيم، حتى لو استهلك ثوبًا وأتى بيوت ثوبًا وأتى بيوت يساويه في الذرع والصفة والصنعة لم يجبر على القبول؛ لأن الواجب هو القيمة لا مثل الثوب، بخلاف المكيلات والموزونات، وهذا من أعظم وجوه التفاوت؛ لأن كثيراً من الأحكام يختلف بحسب اختلاف الأموال بكونها من ذوات الأمثال، أو (٧) من ذوات القيم، فمع وجود هذا التفاوت كيف يمكن أن يقال أن المزروعات مساوية للمكيلات والموزونات من جميع الوجوه.

قلت: (٨) جواز السلم في الثياب إنما كان (٩) بطريق الاستحسان، والذي ذكرته هو وجه القياس، فكم من تفاوت بين الشيئين يتحمل ذلك في المعاملات دون الاستهلاكات، فلذلك يجب فيها القيمة؛ لأنه موضع استهلاك لا معاملة مع وجود المساواة من جميع الوجوه.


(١) في (ت): بقاؤه.
(٢) في (ت): و.
(٣) في (ت): يبق.
(٤) في (ت): خص.
(٥) في (ت): لها.
(٦) في (ت): متساويًا.
(٧) في (ت): و.
(٨) في (ت): قلنا.
(٩) في (ت): يكون.