للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذكر في الإيضاح: (١) إنما جوزنا السلم في الثياب استحسانًا؛ لأنها مصنوع العبد، والعبد يصنع بالآلة، فإذا اتحد الصانع والآلة يتحد المصنوع، فلا يبقى بعد ذلك إلا قليل تفاوت، وقد يتحمل قليل التفاوت في المعاملات، ولا يتحمل في الاستهلاكات، ألا ترى أن الأب لو باع [ثمن مال ابنه] (٢) بغبن يسير كان متحملًا، ولو استهلك شيئًا يسيرًا وجب عليه الضمان.

قال: (٣) ولا بد منها، أي من هذه المذكورات، وهي الزرع والصفة والصنعة.

ويجيء ذكر الثياب بعد هذا بأن ذكر الوزن في الحرير شرط.

وكذا في المعدودات التي لا يتفاوت، أي يجوز كالجوز والبيض.

وقيد (٤) بالتي (٥) لا يتفاوت احترازًا عن التي يتفاوت كالرمان والبطيخ على ما ذكر، والفرق بينهما مذكور (٦) عن أبي يوسف -رحمه الله-، وذكر في المبسوط (٧): وأصل هذا الجنس مروي عن أبي يوسف، قال: ما يتفاوت آحاده في القيمة فهو عددي متفاوت، لا يجوز السلم فيه عددًا، وما لا يتفاوت آحاده، وإنما يتفاوت أنواعه فهو عددي ذي متقارب، يجوز السلم فيه عددًا، والرمان والبطيخ يتفاوت آحاده [في المالية]، والباذنجان وما أشبه ذلك لا يتفاوت آحاده في المالية، وعلى هذا الأصل يجوز السلم في (الجوز والبيض) (٨) عددًا؛ لأن آحاده في المالية لا يتفاوت، فإنك (٩) لا ترى جوزة بفلس وجوزة بفلسين، وإنما يتفاوت أنواعه في المالية، وذلك التفاوت يزول بذكر النوع.

وقيل: هذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-، أي ما ذكر في الجامع الصغير (١٠) بقوله: ويجوز السلم في الفلوس عددًا مطلقًا من غير ذكر خلاف أحد، محمول على أن ذلك الإطلاق وقع على قولهما، خلافًا لمحمد -رحمه الله- استدلال بمسألة أخرى وهي على هذا الخلاف، فيصلح أن يكون هذه المسألة مبنية عليها، وهي أن الفلوس أثمان باصطلاح جميع الناس، فلا يسقط ثمنيتها بإسقاط المتعاقدين عنده، حتى أخرى الربا فيها، فقال: لا يجوز بيع فلس بفلسين عند محمد خلافًا لهما على ما مر، ولما كانت ثمنًا [عنده] لا يجوز السلم في الأثمان بالإجماع، كما لو سلم في الدراهم والدنانير، وعندهما يسقط ثمنيتها بإسقاط المتعاقدين فيجوز السلم فيها عددًا عندهما، والدليل على صحة هذا ما رواه أبو الليث الخورزمي (١١) عن محمد نصًا (١٢): أن السلم في الفلوس لا يجوز.


(١) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٧/ ٧٩).
(٢) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٣) في (ت): قوله.
(٤) في (ت): وقيدنا.
(٥) في (ت): بالذي.
(٦) في (ت): مروي.
(٧) المبسوط (١٢/ ١٣٦).
(٨) في (ت): البيض والجوز.
(٩) في (ت): فإنه.
(١٠) فتح القدير (٧/ ٧٥).
(١١) نصر بن مُحَمَّد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي الفقيه، أبو الليث المعروف بإمام الهدى، تفقه على الفقيه أبي جعفر الهندواني وهو الإمام الكبير صاحب الأقوال المفيدة والتصانيف المشهورة، توفي سنة ثلاث وسبعين وثلاث مائة. الجواهر المضية (٢/ ١٩٦)، الأَعْلَام للزركلي (٨/ ٢٧).
(١٢) في (ت): أيضًا.