للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولا خير في السلم في اللحم، أي لا يجوز على وجه المبالغة؛ لأنه لو كان فيه نوع من الخير لما وقع في موضع نفي الجنس، وهو يقتضي انتفاء الخيرية من كل وجه.

وهذا عند أبي حنيفة -رحمه الله-، وقال ابن أبي ليلى (١): لا بأس به.

وقال أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله-: إذا أسلم في موضع منه معلوم وسمى صفة معلومة فهو جائز.

قيل: لا خلاف بينهما وبين أبي حنيفة -رحمه الله-، بل جواب أبي حنيفة -رحمه الله- فيما إذا أطلق السلم في اللحم، وهما لا يجوّزانه، وجوابهما فيما إذا بيّن منه موضعًا معلومًا، وأبو حنيفة يجوّز ذلك، والأصح أن الخلاف ثابت، فإن عند أبي حنيفة -رحمه الله- لما (٢) يجوز السلم فيه وإن بيّن منه موضعًا معلومًا، ووجه قولهما: أنه موزون معلوم فيجوز السلم فيه كسائر الموزونات، وبيان الوصف أن الناس اعتادوا بيعه وزنًا، ويجوز استقراضه وزنًا، ويجري فيه الربا بعلة الوزن، ثم الموزون المثمن معتبر بالمكيل المثمن، ويجوز السلم فيه، وإن اشتمل على ما هو مقصود وعلى ما هو ليس بمقصود، كالتمر (٣) فما فيه من التوى (٤) غير مقصود، ولا يمنع ذلك جواز السلم، فكذلك (٥) ما في اللحم من العظم، وكذلك يجوز السلم في الشحم؛ لأنه موزون، فكذلك اللحم.

ولأبي حنيفة -رحمه الله- طريقان: أحدهما أن اللحم يشتمل على ما هو مقصود وعلى ما ليس بمقصود وهو العظم، فيتفاوت ما هو المقصود (٦) يتفاوت ما ليس بمقصود منه.

ألا ترى أنه يجري المماكسة بين البائع والمشتري في ذلك، فالمشتري (٧) يطالبه بالنزع، والبائع يدسه فيه، وهذا النوع من الجهالة والمنازعة بينهما لا يرتفع ببيان الموضع وذكر الوزن.

بخلاف النوى في التمر فالمنازعة لا يجري في نزع ذلك، وكذلك العظم الذي في الإلية، وعلى هذا الطريق إذا أسلم في لحم منزوع العظم يجوز عند أبي حنيفة -رحمه الله-، وهو اختيار محمد بن شجاع (٨) -رحمه الله-.


(١) مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أنصاري كوفي. فقيه من أصحاب الرأي. ولي القضاء ٣٣ سنة لبني أمية، ثُمَّ لبني العباس. له أخبار مع أبي حَنِيفَةَ وغيره. مات بالكوفة ١٤٨ هـ. الجرح والتعديل (٧/ ٣٢٢)، الأَعْلَام للزركلي (٦/ ١٨٩).
(٢) في (ت): لا.
(٣) في (ت): كالثمر.
(٤) في (ت): النوى.
(٥) في (ت): وكذا.
(٦) في (ت): بمقصود.
(٧) في (ت): والمشتري.
(٨) مُحَمَّد بن شجاع الثلجي، أبو عبد الله، البغدادي، الحنفي، من أصحاب الحسن بن زياد، فقيه أهل العراق في وقته، والمقدم في الفقه، والحديث، وقراءة القرآن. روى عن يحيى بن آدم، ووكيع، وابن عُليَّة، وقرأ على اليزيدي. له ميل إلى مذهب المعتزلة. من تصانيفه: "المناسك"، و"تصحيح الآثار"، و"النوادر"، و"كتاب المضاربة". الجواهر المضية (٢/ ٦٠)، شذرات الذهب (٢/ ١٥١).