للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والطريق الآخر أن اللحم تشتمل على السمن والهزال، ومقاصد الناس في ذلك لمختلفة (١). وذلك يختلف باختلاف فصول السنة، وبقلة الكلأ وكثرة الكلأ، والسلم لا يكون إلا مؤجلاً، ولا ندري أن عند حلول الأجل على أي صفة يكون، وهذه الجهالة لا ترتفع بذكر الوصف، فكان السلم في اللحم بمنزلة السلم في الحيوان، وبه فارق الاستقراض، والقرض (٢) لا يكون إلا حالاً، وفي الحال صفة السمن والهزال معلومة، بخلاف الشحم والإلية فالتفاوت بينهما (٣) من حيث القلة والكثرة، وبذكر الوزن يزول ذلك، وعلى هذا الطريق منزوع العظم وغير منزوع العظم سواء، وهو الأصح، كذا في المبسوط (٤).

وذكر في الذخيرة (٥): وعلى قول أبي يوسف ومحمد إذا بين الجنس بأن قال: شاة أو بقرة، وبيّن السمن (٦) بأن قال: جذع أو ثني، وبين النوع بأن قال: حصى (٧) أو فحل، وبين صفة اللحم بأن قال: سمين أو مهزول، وبين الموضع بأن قال: من الجنب مثلاً، وبين القدر بأن قال: عشرة أمناء، فالجهالة تنعدم ببيان هذه الأشياء، ولو لم يجز السلم هنا (٨) إنما لم يجز لمكان الجهالة.

ولأبي حنيفة -رحمه الله- وجهان:

أحدهما: أن اللحم يتفاوت باختلاف العظم؛ لأنه نقل (٩) اللحم عند عظم العظم، ويكثر عند صغره، فكان المسلم فيه مجهولاً إلى آخره.

وقال: ولهذا يضمن بالمثل إيضاح لقوله: لأنه موزون.

بخلاف لحم الطيور؛ لأنه لا يمكن وصف موضع معلوم منه، أي من لحم الطيور؛ لأن (١٠) عضو جنس الطير قليل، ولا يشتري لحم العضو عادة.

وذكر في الذخيرة (١١): ولا خير في السلم في شيء من الطيور ولا في لحومها، أما في الطيور فلا يجوز؛ لأنه سلم في الحيوان.

فإن قيل: السلم في الحيوان إنما كان باطلاً لتفاوت الحيوان في نفسه تفاوتًا يعتبره الناس، ومن الطيور ما لا يتفاوت تفاوتًا يعتبره الناس كالعصفور، فكان ينبغي أن يجوز السلم فيه، كما في الجوز والبيض، فالجواب (١٢) عنه من وجهين:

أحدهما (١٣): أن بطلان السلم في الحيوان ثابت نصاً (١٤)، والعبرة في المنصوص عليه لعين النص لا للمعنى، والنص لم يفصل بين حيوان وحيوان، وإليه أشار محمد -رحمه الله- حين سئل: لماذا لا يجوز السلم في الحيوان وقد ذكرناه.


(١) في (ت): مختلفة.
(٢) في (ت): والفرق.
(٣) في (ت): فيهما.
(٤) المبسوط (١٢/ ١٣٦).
(٥) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٧/ ٨٠).
(٦) في (ت): السن.
(٧) في (ت): خصي.
(٨) في (ت): ههنا.
(٩) في (ت): يقل.
(١٠) في (ت): ولأن.
(١١) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٧/ ٨١).
(١٢) في (ت): أجيب.
(١٣) في (ت): الأول.
(١٤) في (ت): بالنص.