للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال (١): ولا يتعين إلا بالاختيار لما أن في كل منهما قولاً آخر، وقد ذكرناه، وهو الخيار (٢)، أي المستصنع بالخيار، ولا خيار للصانع، هذا مخالف لما ذكرنا من رواية الذخيرة في رواية [عن] (٣) أبي يوسف عن أبي حنيفة -رحمهما الله-: أن الصانع لا يجبر على العمل، بل ينجبر (٤) إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل.

وكذا أيضاً ذكره (٥) الإمام قاضي خان (٦) -رحمه الله- هذه الرواية من غير خلاف أحد، فقال: وإذا كان عقدًا كان للمستصنع خيار الرؤية في ظاهر الرواية؛ لأنه اشترى [شيئاً] لم يره، وهل للصانع خيار أن لا يعمل له ذلك لأنه لا يتمكن من العمل إلا بإتلاف المال، وهو قطع الأديم ونحوه، فلا يجبر على ذلك، كما لو أخذ أرضاً مزارعة على أن البذر من قبل العامل، فإنه لا يجبر على العمل.

وقال (٧): إلا بضرر، أي إلا بإتلاف شيء هو عين، وهو قطع الصرم، وغيره كإتلاف الحنطة في ضرره (٨).

فإن قيل: قطع الصرم وغيره وإن كان ضرراً لا يعتبر ضرراً في حق الصانع؛ لأنه ضرر مرضي في حقه.

قلنا: جاز أن يكون رضاه بسبب ظن أن المستصنع مجبور على القبول، فلا علم أن المستصنع مختار في القبول (إلا برضى) (٩)، حينئذ بقطع الصرم غاية الأمر أن هذا التقرير يقتضي اعتبار الجهل عذراً، والجهل ليس بعذر في دار الإسلام؛ لأنا نقول خيار المستصنع اختيار بعض المتأخرين من أصحابنا، وليس على كل واحد من المسلمين في دار الإسلام علم أقوال جميع المجتهدين من اختياراتهم، إذ لو كان مشروطًا ذلك كان كل الناس علماء (١٠) وأهل الفتوى، وليس ذلك بمأخوذ على الناس أجمع بالإجماع، فقد يخفى على العلماء الذين هم في تفتيش المسائل الليل والنهار بعض أقوال المجتهدين من أولي الأبصار، فكيف على العامي الذي بناء أمره على التقليد، وقد لا يكون ذلك على التسديد، وأما قولهم: الجهل ليس بعذر في دار الإسلام فذلك في الفرائض التي لا بد لإقامة دينه منها، لا في خياره اجتهاد [و] (١١) جميع المجتهدين.

أما الصانع فلما ذكرنا، يعني لا خيار للصانع لما ذكر أن الاستصناع يجوز بيعًا لا عدة، والبائع إذا باع شيئاً لم يره لا يكون له الخيار؛ لأنه لا يشتريه غيره بمثله، وقد لا يشتريه غيره أصلاً، كما لو استصنع منبراً من يعظ للناس عليه، فالعامي لا يشتريه أصلاً، فلذلك لم يجعل للمستصنع خيار الرؤية، كما في السلم ليس لرب السلم خيار الرؤية، ولكن هذا غير ظاهر الرواية.


(١) في (ت): وقوله.
(٢) في (ت): بالخيار.
(٣) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٤) في (ت): يخير.
(٥) في (ت): ذكر.
(٦) المبسوط (١٢/ ١٣٩).
(٧) في (ت): وقوله.
(٨) في (ت): جزئه.
(٩) في (ت): لا يرض.
(١٠) في (ت): عالما.
(١١) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).