للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولنا أنه نهى -عليه السلام- عن بيع كلب، إلا كلب صيد، [أو ماشية (١) (٢).

فإن قلت: المدعي جواز بيع جميع الكلاب المعلم وغير المعلم، وهذا الحديث يقتضي جواز بيع كلب الصيد والماشية لا غير فما وجه (٣).

قلت: إيراد الحديث لإبطال مذهب الخصم، لا لإثبات المدعي، فإن الخصم يدعي شمول عدم الجواز في أنواع الكلاب كلها، فيثبت بهذا الحديث أن شمول عدم الجواز في أنواع الكلاب كلها غير ثابت.

وأما إثبات المدعي فبحديث ذكره في الأسرار برواية عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أنه قال: «قضى رسول الله -عليه السلام- في كلب بأربعين درهمًا» (٤)، فذكره مطلقاً من غير تخصيص في أنواع الكلاب في التضمين، وتضمين المتلف دليل على تقوم المتلف، أو يقول المدعي: جواز بيع الكلب المعلم وغير المعلم سوى العقور فيثبت ذلك بهذا الحديث، وذلك لأن جواز بيع الكلب المعلم استفيد بقوله: إلا كلب صيد، وجواز بيع الكلب غير المعلم بقوله: أو ماشية، [وذلك] (٥) لأن كل كلب يصلح لحراسة الماشية، إذ من عادة الكلاب نباحها عند حس الذئب أو السارق، فبقي العقور تحت المستثنى منه، ولأنه منتفع به حراسته، فكان (٦) مالاً فيجوز بيعه، وهذا لأن محل البيع مال متقوم.

وكذلك المضمون بالغصب [مال متقوم] (٧)، والكلب مال متقوم (مثل العهد) (٨)؛ لأن المال اسم لما يقع عليه ملك اليمين بالاستيلاء، وهو الذي خلق لمصالح الآدمي مما في البر والبحر؛ لأن الله تعالى يقول: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (٩)، أضاف إلينا بلام التمليك، فدل أنها في الأصل خلقت مملوكة لبني آدم، فصار الآدمي مالك المال في الأصل، وصار المال اسمًا لغير الآدمي مما يصلح لمصالح الآدمي، والملك يثبت بالإفراز (١٠) والقيمة بالتمول، فإن الصيد قبل الإحراز لا يكون مملوكًا، وما لا يتمول من الأملاك كحبة حنطة وشربة ماء من المياه وكف تراب لا يتقوم؛ لأنه لا يتمول، ولأن الكلب يورث ويوصى به فيصح، وغير الملك لا يورث ولا يصح به الوصية، وكذلك الخمر لا يتقوم؛ لأن الشرع نهانا عن تمولها، ففسد التمول شرعًا، وانعدم (١١) حكمًا، وإن وجد حقيقة، وإذا ثبت هذا، والكلب غيرنا فكان مالاً، وملك (بالأجر ثم تمول) (١٢) تمولاً صحيحًا؛ لأن الشرع أباح الانتفاع به لما جعله آلة الاصطياد، فصح التمول بإباحة الشرع، فثبت حكمه وهو القيمة.


(١) أخرجه البخاري في كتاب الذبائح والصيد _ باب من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد أو ماشية (٥٤٨١)، ومسلم في كتاب المساقاة _ باب الأمر بقتل الكلاب، وبيان نسخه، وبيان تحريم اقتنائها إلا لصيد، أو زرع، أو ماشية ونحو ذلك (١٥٧١).
(٢) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٣) في (ت): وجهه.
(٤) أخرجه الدارقطني في سننه، سنن الدارقطني، لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني، تحقيق: شعيب الارنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، ١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٤ م (٥/ ٤٣٦). وقال ابن حجر: "هَذَا إِسْنَادٌ وَاهٍ جِدًّا". انظر: المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، لأبي الفضل أحمد بن حجر العسقلاني، الناشر: دار العاصمة، دار الغيث - السعودية، الطبعة: الأولى، ١٤١٩ هـ (٧/ ٩٣).
(٥) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٦) في (ت): فيكون.
(٧) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٨) في (ت): كالعهد.
(٩) [البقرة: ٢٩].
(١٠) في (ت): بالإحراز.
(١١) في (ت): والعدم.
(١٢) في (ت): بالإحراز ثم يكون.