للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قولنا (١): آلة الاصطياد دل على هذه المعاني؛ لأن آلة الصيد غير الصايد، والآدمي صايد، ودل على إباحة المنفعة والانتفاع.

فإن قيل: الكلب تمسك (٢) للانتفاع لمنافعه (٣) لا لعينه، والآدمي ينتفع بمنافعه بالإجارة، ولا يدل على أن عينه مال.

قلنا: أن الانتفاع بالمنفعة نفع من الكلب تبعًا لملك (٤) العين لا قصدًا في المنفعة.

ألا ترى (أنه لا يورث) (٥)، والمنفعة وحدها لا تورث، فيجري مجرى الانتفاع بمنافع العبد والأمة ولثوب (٦) وجميع ما لا يؤكل عينه، ولا يتلف إلا بالانتفاع بمنافعه، دل عليه أنا ما جعلنا الانتفاع بها دليلاً على أنه غير محرم العين، فإن مما حرم عينه (لم يجز) (٧) الانتفاع به كالخمر والخنزير ونحوهما، وهذه الأموال المخلوقة لنا، لا يبطل قيمتها مع قيام للتمول إلا بتحريم الشرع، فإذا أبيح التمول بضرب (٨) منفعة صح التمول وثبت حكمه وهو القيمة.

فإن قيل: شعر الخنزير ينتفع به الأساكفة، (ولا يجوز) (٩) بيعها.

قلنا: أن الخنزير محرم العين شرعًا، لا يباح إمساكه لمنفعة توجه فتثبت الحرمة في كل جزء منه؛ من الشعر والعظم وكل شيء، وسقطت القيمة، ثم الإباحة لضرورة الحزر، ولا يدل على رفع الحرمة عن أصله فيما عدا الضرورة؛ كإباحة لحمه حالة الضرورة، لا يدل على صحة التمول وجواز البيع، فأما الكلب فما (١٠) ثبت فيه تحريم مطلق.

ثم إباحة لضرورة (١١) ليبقى وراها (١٢) على التحريم، هذا كله من الأسرار.

والحديث محمول على الابتداء؛ لأنه روي عن إبراهيم (١٣) أنه قال: روي أن رسول الله -عليه السلام-: رخص في ثمن كلب الصيد (١٤)، فيذكر الرخصة [فيه] (١٥) يتبين انتساخ ما رووا من النهي، وهذا لأنهم كانوا العفو (١٦) اقتناء الكلاب، وكانت الكلاب (منهم يؤذي) (١٧) الضيفان والغرباء، فنهوا عن اقتنائها، فشق (عليهم ذلك) (١٨)، فأمروا بقتل الكلاب، ونهوا عن بيعها؛ تحقيقاً للزجر عن العادة المألوفة، ثم شبه رخص لهم بعد ذلك في ثمن ما يكون منتفعًا به من الكلاب، وهو كلب الصيد، والحزر (١٩) والماثم (٢٠)، [ثم] (٢١) أنه منتفع به في حالة الاختيار، ويجوز تمليكه بغير عوض في حالة الحياة بالهبة، وبعد الموت بالوصية، فيجوز تمليكه بالعوض أيضاً، وبهذا يتبين أنه ليس بنجس العين، فإن الانتفاع (بما هو ينجس) (٢٢) العين لا يحل في حالة الاختيار؛ كالخمر، ولا يجوز تمليكه قصدًا بالهبة والوصية، كذا ذكره (٢٣) هذه المسألة في كتاب الصيد من المبسوط (٢٤).


(١) في (ت): وقولنا.
(٢) في (ت): يمسك.
(٣) في (ت): بمنافعه.
(٤) في (ت): لمالك.
(٥) في (ت): أنه يورث.
(٦) في (ت): والثوب.
(٧) في (ت): يحرم.
(٨) في (ت): لصرف.
(٩) في (ت): ويحرم.
(١٠) في (ت): فكما.
(١١) في (ت): الضرورة.
(١٢) في (ت): ما وراءه.
(١٣) إبراهيم بن زيد بن قيس بن الأسود، أبو عمران النخعي، من مذحج اليمن من أهل الكوفة، ومن كبار التابعين، أدرك بعض متأخري الصحابة، ومن كبار الفقهاء، قال عنه الصفدي: فقيه العراق، أخذ عنه حماد بن أبي سليمان وسماك بن حرب وغيرهما. الطبقات الكبرى (٦/ ٢٧٩)، الجرح والتعديل (٢/ ١٤٤).
(١٤) أخرجه النسائي في كتاب الصيد والذبائح – الرخصة في ثمن كلب الصيد (٤٢٩٥)، وصححه الألباني.
(١٥) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(١٦) في (ت): ألفوا.
(١٧) في (ت): فيهم تؤذي.
(١٨) في (ت): ذلك عليهم.
(١٩) في (ت): والحرث.
(٢٠) في (ت): والماشية.
(٢١) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٢٢) في (ت): بنجس.
(٢٣) في (ت): ذكر.
(٢٤) المبسوط (١١/ ٢٣٥).