للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكذلك كل مكيل أو موزون، وإن كانا متساويين في الواقع حتى لو تبايعا صبرة بصبرة مجازفة ثم كيلياً بعد ذلك فكانا متساويين لم يجز العقد عندنا، وقال زفر: يجوز؛ لأن ما هو شرط الجواز وهو المماثلة قد يبني أنه كان موجودًا، وإن لم يكن ذلك معلومًا للمتعاقدين، وحجتنا في ذلك أن المعتبر بجواز العقد العلم بالمساواة عند العقد؛ لأنه إذا لم يعلم ذلك كان الفضل معدومًا موهومًا، وما هو موهوم الوجود يجعل كالمتحقق فيما بنى أمره على الاحتياط، كذا في المبسوط (١).

لكن هذا إذا كيلتا أو وزنا بعد الافتراق، وأما إذا علم مساواتهما بالكيل أو بالوزن في مجلس العقد يجوز البيع والصرف، وكذلك لو كان بين رجلين فضة أو ذهب فاقتسما بينهما مجازفة لم يجز إلا إذا علم تساويهما في المجلس؛ لأن القسمة بمنزلة البيع، والبيع مجازفة لا يجوز، وكذلك القسمة، كذا في شرح الطحاوي (٢).

«الذهب بالذهب، مثلاً بمثل، وزنًا بوزن، يدًا بيد» (٣) فانتصاب [مثلاً] ووزنًا ويدًا على الحال، والعامل فيهما ما اقتضاه الجار والجرور من معنى الفعل، وهو بيعوا على تقدير نصب الذهب، أو بيع الذهب على تقدير رفعه بإقامته مقام المضاف، أي مماثلاً بمماثل، وموزونًا بموزون، ومقبوضاً بمقبوض؛ لما روينا، وهو قوله: يدًا بيد، وإن استنظرك أن يدخل بيته يجيء بعيد هذا، أول الحديث يخاطب به لأحد عاقدي الصرف، أي إن سألك صاحبك أن يدخل بيته لإخراج بدل الصرف أو غيره، فلا تمهله، فكان هذا دليلاً ظاهراً على أن قبض بدلي الصرف في المجلس شرط، ولأنه لا بد من قبض أحدهما ليخرج العقد به عن الكالئ بالكالئ، ثم لا بد من قبض الآخر تحقيقاً للمساواة.

فإن قلت: يشكل على هذا التعليل ما إذا باع المضروب بالمصبوغ، فإن المصبوغ مما يتعين بالتعيين، على ما يجيء بعيد هذا، ومع ذلك يشترط قبضهما أيضاً، فعلى هذا التعليل ينبغي أن لا يشترط قبض المصبوغ إذا وجد قبض المضروب؛ لحصول المساواة بينهما في العينية في المضروب بالقبض، وفي المصبوغ بالصباغة، وبحصول العينية فيهما يخرجان عن بيع الكالئ بالكالئ، إذ النسيئة وإنما يكون باعتبار عدم التعيين.

قلت: جوابه أيضاً يجيء بعيد هذا، وهو قوله: ولأنه إن كان يتعين ففيه شبهة عدم التعيين؛ لكونه ثمنًا حلقة، فيشترط قبضه؛ اعتباراً للشبهة في الربا.


(١) المبسوط (١٢/ ١٩١).
(٢) البحر الرائق شرح كنز الدقائق (٦/ ١٤٥).
(٣) أخرجه أحمد (٥٨٨٥)، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف.