للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: على هذا التقدير يلزم في بيع المضروب بالمصبوغ نسبة شبهة الشبهة، وهي غير معتبرة، وذلك لأن في بيع المضروب بالمضروب نسبة شبهة الفضل؛ لأنه لما قبض أحد البدلين ولم يقبض الآخر كان بيع النقد بالكالئ، وفيه شبهة فضل النقد على النسبة، ثم باع المضروب بالمصبوغ نسيئة، والمصبوغ في نفسه مما يتعين بالتعيين، لكن بالنظر إلى أصله بأن حلق ثمنًا شبهة عدم التعيين كانت فيه شبهة زايدة على تلك الشبهة التي هي شبهة فضل النقد على النسيئة، فكانت شبهة الشبهة، وهي غير معتبرة.

قلنا: عدم الجواز في بيع المضروب نسيئة تعين النص بقوله: يدًا بيد، لا بالشبهة؛ لأن في موضع النص الحكم غير مضاف إلى القلة، فحينئذ كانت الحرمة في هذه الصورة باعتبار الشبهة.

أو نقول: شبهة الشبهة إنما لا تعتبر إذا لم يكن منصوصاً عليها، وأما إذا كانت الحرمة منصوصاً عليها في الموضع الذي فيه شبهة الشبهة كان ثبوت الحرمة باعتبار النص لا باعتبار شبهة الشبهة، وفيما نحن فيه وهو بيع المضروب بالمصبوغ جاءت الحرمة نصاً، ذكره في المبسوط (١)، وهو ما روي عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: «الذهب بالذهب مثل بمثل، والورق بالورق مثل بمثل، لا تفضلوا بعضها على بعض، لا يباع منها غائب يتأخر، فإني أخاف عليكم الدماء، والدماء وهو الربا، وإن استنظرك إلى أن يدخل بيته فلا تنظره» (٢)، ومعنى قوله: لا يباع منها غائب يتأخر، أي نسيئة بنقد، واسم الذهب والورق يتناول المصبوغ منهما، فلما كان كذلك كانت الحرمة فيه ثابتة بالنص، لا بشبهة الشبهة.

وقال: فلا يتحقق بالنصب على جواب النفي بالفاء، وهو قوله: ثم لا بد لإطلاق ما روينا وهو قوله -عليه السلام-: «الذهب بالذهب» (٣)، وفيما بعده: والفضة بالفضة، ثم ذكر في الكتاب اشتراط التقابض في المجلس، وإن كانا يتعينان كالمصبوغ، ولم يذكر اشتراط المساواة في الوزن إذا كانا مصبوغين من الذهب والفضة.

ولا يقال: قد ذكر ذلك؛ لأنه قال: فإن باع فضة بفضة أو ذهباً بذهب لا يجوز، إلا مثلاً بمثل، فاسم الذهب والفضة يتناول المصبوغ منهما وغير المصبوغ.

لأنا نقول: كما ذكر ذلك ذكر قوله أيضاً: ولا بد من قبض العوضين، أي من الذهب والفضة المذكورين، ومع ذلك ذكر قوله: فوجب قبضهما، سواء كانا يتعينان كالمصبوغ، أو لا يتعينان كالمضروب، حيث أعاد ذكر القبض في المصبوغ مع ذكره في مطلق الذهب والفضة، ولم يعد ذكر المساواة في الوزن في المصبوغ، كما أعاد ذكر القبض فيه، ثم اعلم أن المساواة في الوزن شرط في الذهب والفضة إذا بيع كل واحد منهما بجنسه، وإن كان هو إناء مصبوغًا، حتى لو باع إذا قبضه بإناء فضة متفاضلاً لا يجوز، وإن كان يدًا بيد؛ لأن المساواة شرط في الأموال الربوية إذا قوبلت بجنسها.


(١) المبسوط (١٤/ ١٧).
(٢) تقدم.
(٣) أخرجه البخاري في كتاب البيوع- باب بيع الفضة بالفضة (٢١٧٧)، ومسلم في كتاب المساقاة- باب الربا (١٥٨٤).