للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت: يشكل على هذا ما لو باع إناءه مصبوغًا من نحاس بإناء مصبوغ متفاضلاً يجوز، مع أن بيع النحاس بالنحاس متفاضلاً لا يجوز، وكذلك في الإناء المتخذ من الشبه أو الصفر أو الحديد بإناء من جنسه متفاضلاً يجوز، ولا يجوز بيع الحديد بالحديد متفاضلاً، فعلى هذا ينبغي أن يجوز بيع إناء فضة بإناء فضة متفاضلاً، وإن كان لا يجوز بيع الفضة بالفضة متفاضلاً.

قلت: قد فرق بينهما حيث قيل بجواز بيع [إناء] مصبوغ من غير الذهب والفضة بإناء مصبوغ من جنسه متفاضلاً، وعدم جوازه في بيع الإناء المصبوغ من الذهب والفضة بإناء مصبوغ من جنسه متفاضلاً.

ووجه الفرق وهو أن صفة الوزن في الذهب والفضة منصوص عليها، فلا يتعين ذلك بالصفة، ولا يخرج من أن يكون موزونًا في العادة، والعادة لا تعارض النص.

وأما في الحديد والشبه وما أشبه ذلك؛ فصفة الوزن ثابتة بالعرف، فيخرج من أن يكون موزونًا بالصنعة بالعرف، ويتعارف [الناس] بيع المصبوغ منه عددًا، كذا في المبسوط (١) في أواخر الباب الأول من كتاب البيوع، وقد ذكرناه مرة في باب الربا في جهة واحدة قيد بها؛ لأنهما لو مشيا في جهتين مختلفتين يبطل الصرف؛ لوجود الافتراق بالأبدان.

وذكر في الذخيرة (٢): ولو قاما عن مجلس الصرف وذهبا معًا في جهة واحدة فرسخًا أو ما أشبه ذلك، ثم تقابضا قبل أن يفارق أحدهما صاحبه جاز العقد، وكذلك لو طال قعودهما في مجلس العقد.

"وإن وثب عن سطح فثب معه"، أول الحديث هو ما ذكره في المبسوط (٣) فقال: وعن ابن جبلة (٤)، قال: سألت عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- فقلت: إنا نقدم أرض الشام ومعنا الورق الثفال النافقة، وعندهم الورق الكاسدة، أو نبتاع ورقهم العشرة بتسعة ونصف، فقال: لا تفعل، ولكن بع ورقك بذهب، واشتر ورقهم بالذهب، ولا تفارقه حتى تستوفي، وإن وثب من سطح فثب معه (٥).


(١) المبسوط (١٢/ ١٨٣).
(٢) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٧/ ١٧٢).
(٣) المبسوط (١٤/ ٤).
(٤) جبلة بن سحيم التَّيْمِيّ، ويُقال: الشيباني أبو سريرة الكوفي. رَوَى عَن: عامر بْن مطر الشيباني، وعَبْد اللَّهِ بْن الزبير بْن العوام. وعَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن الخطاب. رَوَى عَنه: جعفر بْن عُمَر الدرمكي، وحجاج ابن أرطاة ورقبة بْن مصقلة، وزيد بْن أَبي أنيسة، وسفيان الثوري. وذكره مُحَمَّد بْن سعد في الطبقة الرابعة، وَقَال: توفي فِي فتنة الوليد بْن يزيد. تهذيب الكمال (٤/ ٤٩٨).
(٥) أخرجه أبو يوسف في الآثار (٨٣٧).