للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفيه دليل أن المفتي إذا بيّن جواب ما سئل عنه فلا بأس أن يبين المسائل بالطريق الذي يحصل مقصوده، مع التحرز عن الحرام، ولا يكون هذا مما هو مذموم من تعليم الحيل، وفيه دليل على أن القيام عن المجلس من غير افتراق لا يمنع بقاء العقد، وأنه قال: وإن وثب عن سطح فثب معه، التحرز عن مفارقة أحدهما صاحبه قبل القبض.

بخلاف خيار المجبرة، وعن محمد -رحمه الله- في رواية أخرى أنه جعل الصرف بمنزلة خيار المخيرة، حتى قال: يبطل بما هو دليل الإعراض كالقيام عن المجلس، كذا في الذخيرة (١).

الذهب بالصرف ربا، أي حرام؛ لأن الربا الذي هو الفضل لغة لما كان مستلزمًا للحرام، في باب الربا أطلق لفظ الربا على الحرام، "إلا هاء وهاء"، هاء بوزن هاع بمعنى خذ، ومنه: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (١٩)} (٢)، أي كل واحد من المتعاقدين يقول لصاحبه: هاء، فيتقابضان، وفي بعض الروايات: إلا يدًا بيد هاء وهاء، وهو تأكيد لقوله: إلا يدًا بيد، كأنه قال: إلا نقدًا مع التقابض، كذا في المغرب (٣).

فإن افترقا في الصرف قبل قبض العوضين أو أحدهما بطل العقد قبل القبض، في باب الصرف شرط لبقاء العقد لا لصحة العقد، استدلاله بهذا اللفظ فإنه قال في الكتاب: فإن افترقا في الصرف إلى أن قال: بطل العقد، ولا بطلان إلا بعد الصحة.

وقال في شرح الطحاوي (٤): العقود في حق التقابض على ثلاثة أوجه:

في وجه: التقابض من الجانبين قبل التصرف شرط لصحته، فهو عقد الصرف.

وفي وجه: لا يجعل التقابض شرطًا، وهو ما إذا تبايعا عينًا بعين في غير عقد الصرف، فإن التقابض ليس بشرط، وكذلك لو تبايعا عينًا بدين كالحنطة بالدراهم.

وفي وجه: يجعل التقابض من أحد الجانبين شرطًا لصحة العقد، وهو ما إذا تبايعا دراهم بفلوس، فالقبض في أحد الجانبين شرط؛ لأنهما لو افترقا من غير قبض من الجانبين حصل الافتراق عن دين بدين؛ لأن الدراهم والفلوس لا يتعينان وإن عيّنت، وإنما يتعين بالقبض، ولو وجد التقابض من أحد الجانبين جاز؛ لأنهما افترقا عن عين بدين، وكذلك إذا تبايعا كيلياً بكيلي، أو وزنياً بوزني، الذي يحرم فيه النساء، وأحدهما عين والآخر دين، والدين منهما ثمن، فإنه يجوز [ثمن] يشترط إحضاره وقبضه قبل التفريق بالأبدان؛ لأن الدين لا يتعين بالإحصار ما لم يقبض، وكذلك في عقد السلم يشترط القبض من أحد الجانبين، وهو رأس المال، ولهذا لا يصح شرط الخيار فيه، أي في الصرف بأن قال: اشتريت هذا الدينار بهذه الدراهم، على أني بالخيار ثلاثة أيام، وكذلك الأجل.


(١) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٧/ ١٧٢).
(٢) [الحاقة: ١٩].
(٣) المغرب (١/ ٤٩٩).
(٤) بدائع الصنائع (٥/ ٢٠٤).