للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم اعلم أن بين الفساد في بيع الصرف بسبب الافتراق قبل القبض، وبين بيع الصرف الذي انعقد في أصله على الفساد من الابتداء بسبب ذكر الأجل، أو شرط الخيار فرق على قول أبي حنيفة -رحمه الله-، فإنه إذا كان لرجل جارية، وفي عنقها طوق فضة، ووزن الطوق مائة، فباعهما جميعًا من رجل بألف درهم حالة جاز البيع فيهما جميعًا، ويكون الطوق بمائة درهم من الألف صرفاً، والجارية بتسعمائة درهم، ولو افترقا عن غير القبض من الجانبين بطل الصرف، وبيع الجارية بتسعمائة صحيح، وبمثله لو باعهما بألف إلى أجل، والصرف باطل بالإجماع، ويبطل بيع الجارية أيضاً عند أبي حنيفة -رحمه الله-، وعند صاحبيه لا يبطل البيع في الجارية بتسعمائة، فأبو حنيفة -رحمه الله- فرق بين المسألتين، فقال في المسألة الأولى: لا يبطل البيع في الجارية؛ لأن [العقد] فيهما جميعًا انعقد على الصحة، غير أن الصرف إنما يبطل؛ لفوات شرط من شرايطه قائم، يوجب ذلك إبطال البيع في الجارية، كما إذا اشترى عبدين بألف درهم، فاستحق أحدهما، وفي المسألة الثانية إنما يبطل بيع الجارية؛ لأن عقد الصرف انعقد على الفساد، فأوجب ذلك فساد بيع الجارية، كما إذا اشترى عبدين، فإذا أحدهما حر، كذا في شرح الطحاوي (١).

لأن بأحدهما، أي بشرط الخيار، وبالثاني، أي وبالأجل، إلا إذا أسقط الخيار في المجلس فيعود إلى الجواز، ذكر إسقاط الخيار، ولم يذكر إسقاط الأجل؛ لأنه لو سلم في المجلس يجوز، وإن لم يوجد الإسقاط ذكرا قبل تقرره، أي تقرر الفساد حقاً لله تعالى؛ لأن الربا حرام حقاً لله تعالى.

وفي تجويزه، أي تجويز شراء الثوب ببدل الصرف من أحد المتعاقدين بعد الصرف كما نقل عن زفر، وإنما ذكره بكلمة: عن؛ لأن الظاهر من مذهب زفر -رحمه الله- كمذهب علمائنا الثلاثة في أن الاستبدال ببدل الصرف قبل القبض لا يجوز، ذكره في الذخيرة (٢).

فينصرف العقد إلى مطلقها، أي مطلق الدراهم، بأن اشترى الثوب، ولم يضف إلى بدل الصرف، فإنه يجوز، وكذلك إذا أضاف إلى بدل الصرف؛ لأن الدراهم والدنانير لا يتعينان، وإن كانت موجودة مشاراً إليها، فكذلك إذا كانت دينًا؛ لأن ما لا يتعين بالتعيين إذا كان عينًا لا يتعين بالتعيين إذا كان دينًا، وإذا كان كذلك كانت الإضافة إلى بدل الصرف والإطلاق سواء، إلا أنا نقول: أن قبض بدل الصرف واجب بالسنة، والاستبدال يفوت القبض المستحق، فكان شرط إيفاء الثمن من بدل الصرف شرطًا فاسدًا، فيمنع الجواز؛ لإسقاط الثمن به، والدين يتعين في حق القدر والوصف والاستحقاق فيما يرجع إلى الإسقاط، كذا في الفوائد الظهيرية والجامع الصغير لقاضي خان (٣).


(١) الجوهرة النيرة (١/ ٢٢١).
(٢) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٧/ ٢١٦).
(٣) فتح القدير (٧/ ١٤٠).