للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وليس من ضرورة كونه مبيعًا أن يكون متعينًا، هذا جواب سؤال مقدر وهو أن يقال: لو كان بدل الصرف مبيعًا يجب أن يكون متعينًا؛ لأن المبيع متعين.

قلنا: المسلم فيه مبيع، ومع ذلك هو غير متعين، بل هو واجب في الذمة غير عين، ولأن شبهة كونه متعينًا قد ظهرت في البيع الثاني، وهو شراء الثوب ببدل الصرف حتى يحصل به تقدير الثمن، وإن لم يكن متعينًا في نفسه، وهو نظير ما إذا غصب الدراهم واشترى بها شيئاً بأن أشار إليهما ودفع منها يحرم الانتفاع بالمشترى، مع أن الدراهم والدنانير لا يتعينان في العقود، لكن لما حصل بها تقدير الثمن، وإسقاط ما وجب في ذمته بها.

قلنا: بحرمة الانتفاع بالمشترى، والشبهة في باب الربا ملحقة بالحقيقة.

فإن قيل: ينبغي أن يتعين الدراهم في مسألتنا للثمنية؛ لدخول الباء فيها حيث قال: باع ديناراً بعشرة دراهم، والباء مخصوصة؛ لدخولها في الأثمان.

قلنا: ذلك في الأثمان الجعلية (١)، كالحنطة والشعير والحديد من المكيلات والموزونات التي ليست من الدراهم والدنانير إذا كانت دينًا، وأما في بيع الصرف وكل واحد من البدلين ثمن ومثمن؛ لتعينهما للثمنية حلقه، كالسلع التي ليست من الموزونات والمكيلات كل واحد من البدلين ثمن ومثمن، فجعل كل واحد منهما ثمنًا ومثمنًا.

وقال: فيجعل كل واحد منهما مبيعًا؛ لعدم الأولوية، هذا هو الوجه الثاني الذي ذكره في الذخيرة في تعليل المسألة (٢).

فوجهه أن عقد الصرف بيع؛ لأنه مبادلة مال بمال، ولهذا لو حلف لا يبيع فصار ويحنث في يمينه، والبيع ما يشتمل على مبيع وثمن، وليس كل واحد منهما من بدل الصرف بأن يجعل أحدهما مبيعًا والآخر ثمنًا أولى من الآخر، فجعل كل واحد مبيعًا من وجه وثمنًا من وجه ضرورة انعقاد البيع، وإن كان كل واحد منهما ثمنًا حقيقة.

ألا ترى في بيع العرض بالعرض، اعتبر كل واحد منهما ثمنًا من وجه مبيعًا من وجه ضرورة انعقاد البيع، وإن كان كل واحد منهما مبيعًا حقيقة كذا ههنا، وإذا كان كذلك لو جاز الاستبدال به قبل القبض، من حيث أنه ثمن لا يجوز الاستبدال به، من حيث أنه مثمن فلا يجوز بالشك، كما قلنا في التأجيل في بدل الصرف: إن جاز من حيث أنه ثمن لا يجوز من حيث أنه ثمن لا يجوز من حيث أنه مثمن، فلا يجوز بالشك كما قلنا.


(١) الجعل بالضم الأجر، يقال: جعلت له جعلا، والجعالة بكسر الجيم وبعضهم يحكي التثليث. ينظر: المصباح المنير (١/ ١٠٢)، الصحاح (٤/ ١٦٥٦).
واصطلاحًا: ما يُجعل للإنسان على شيء يفعله. انظر: تبيين الحقائق (٣/ ٩٣).
(٢) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٧/ ٢١٦).