وأما الوجه الأول: فهو ما ذكره فيها بأن الاستبدال ببدل الصرف قبل القبض يفوت قبض بدل الصرف من حيث الحقيقة إلى آخره.
فإن قيل: لو جعل كل واحد منهما مبيعًا يشترط قيام الملك في كل واحد منهما حالة العقد حتى لا يصير بايعًا ما ليس عنده، وبالإجماع لم يشترط قيام الملك في الدراهم والدنانير وقت العقد، فقد ذكر في الكتاب: لو باع من آخر ديناراً بدرهم، وليس في ملك هذا دينار ولا في ملك هذا دراهم، ثم استقرض هذا دراهم، ودفعها إلى مسير بها، واستقرض من الآخر ديناراً، ودفعه إلى مسيرته فإنه يجوز.
قلنا: الدنانير والدراهم قبل العقد وحالة العقد ثمن من كل وجه، وإنما يعتبر مثمنًا من وجه بعد العقد؛ لأن اعتباره مثمنًا بسبب العقد ضرورة أن العقد لا بد له من مثمن، كما لا بد له من ثمن، فيعتبر كونه مثمنًا بعد العقد لا قبله، فلا يشترط قيام الملك فيه قبل العقد، وهذا كما في بيع العرض بالعرض، فإن كونه ثمنًا لا يثبت قبل العقد بوجه من الوجوه؛ لأنه مثمن في الأصل، وإنما يصير ثمنًا بسبب العقد ضرورة أن العقد لا بد له من ثمن، فيعتبر كونه مثمنًا قبل العقد حتى يشترط قيام الملك في كل واحد منهما حالة العقد، ويتعلق العقد بهما، ويعتبر كونه ثمنًا بعد العقد، حتى لا ينفسخ العقد بهلاك أحدهما بعد البيع قبل القبض، كما لو كان ثمنًا من كل وجه، كذا هنا، وإذا اعتبرت الثمنية قبل العقد في البدلين من كل وجه، لا يشترط قيام الملك فيهما قبل العقد، ولا يتعلق العقد بالمشار إليه.
فإن قيل: أليس أنه لو اشترى قلب فضة بدراهم، واستبدل بالدراهم قبل القبض لا يجوز عندكم، مع أن الدراهم بمقابلة القلب ثمن من كل وجه، إذ لا ضرورة إلى جعلها مثمنًا من وجه؛ لأن القلب بمقابلتها مثمن من كل وجه، فعلم بهذا أن حرمة الاستبدال فيما نحن فيه لا باعتبار أن كل واحد من البدلين مبيع.
قلنا: جواز الاستبدال ببدل القلب إن كان لا يمتنع للوجه الثاني؛ لأن الدراهم بمقابلة القلب من كل وجه بمبيع للوجه الأول، وهو أن الاستبدال ببدل القلب لو صح يفوت قبض بدل القلب في الصرف، وفوت قبض بدل القلب يوجب فساد الصرف، وما يكون سبباً لفساد العقد يكون فاسدًا في نفسه، كذا في الذخيرة (١).
بخلاف بيعه بجنسه مجازفة؛ لما فيه من احتمال الربا، وإن كان متساويين في الوزن في الواقع لا يجوز أيضاً؛ لأن العلم بتساويهما حالة العقد شرط صحة العقد، وقد ذكرنا أنهما لو تبايعا ذهباً بذهب مجازفة، وافترقا بعد التقابض، ثم علما بالوزن أنهما كانا متساويين لا يجوز عندنا، خلافاً لزفر، وقد ذكرناه في أوائل هذا الكتاب الذي نحن فيه؛ لأن قبض [حصة] صحة الطوق واجب في المجلس؛ لأنه صرف، ولا يتفاوت في بيع الصرف بأن يكون مع أحد بدليه العرض، بل يكون العقد صرفاً في الأثمان.