للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذكر في أول كتاب الصرف من المحيط (١): الصرف اسم لنوع بيع، وهو مبادلة الأثمان بعضها ببعض من الذهب والفضة مفردًا أو مجموعًا مع غيره، يريد بقوله: أو مجموعًا مع غيره، أما إذا باع ثوباً وذهباً بفضة، فحصة الذهب صرف؛ لأنه يقابله ثمن، وحصة الثوب بيع، والظاهر منه الإتيان بالواجب، فيحمل عليه، كما إذا ترك سجدة صلبية في الصلاة، وبينها أيضاً، ثم أتى بسجدة السهو، وسلم بصرف إحدى سجدتي السهو إلى الصلبية، وإن لم ينوها؛ ليكون الإتيان بها على وجه الصحة.

وكذلك لو طاف طواف الصدر، ولم يطف طواف الزيارة، فإن طواف الصدر ينقل إلى طواف الزيارة؛ ليكون الإتيان بالحج على وجه الصحة، والخروج عن عهدة الفرض، وذلك فيما قلنا لما بينا.

وهو قوله: والظاهر منه الإتيان بالواجب؛ لأن الاثنين قد يراد بذكرهما الواحد، أي قد يراد الواحد بذكرهما الواحد، أي قد يراد الواحد بذكر الاثنين عند قيام الدلالة على ذلك، ومن الدليل فيما نحن فيه وجوب أداء ثمن الحلية في المجلس؛ لكونه صرفاً دون ثمن السبق، فإنه ليس بصرف.

{يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (٢٢)} (٢)، وإنما يخرجان من الملح دون العذب، وإنما قال: "منهما" مع أن الخروج من أحدهما؛ لما أن العذب والملح يلتقيان، فيكون العذب كاللقاح للملح، كما يقال: يخرج الولد من الذكر والأنثى، وإنما تلده الأنثى، وقيل: من عادة العرب أنها تجمع شيئين لأحدهما فعل، فيجعل الفعل لهما، وهو كقوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا} (٣)، وكان الناسي صاحب موسى -عليه السلام- وحده.

وقال: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} (٤)، والرسل من الإنس دون الجن، كذا في التيسير (٥).

وذكر في الجامع (٦): ولو قال رجل لامرأتيه: إذا حضتما حيضة فأنتما طالقان، أو قال: إذا ولدتما ولدًا فأنتما طالقان، ففي القياس: هذا لغو من الكلام، ولا يتعلق به حكم؛ لأن ولادة ولد واحد، وطهور حيضة واحدة من المرأتين لا يتصور، ولكنا عملنا بالاستحسان بالمجلس؛ كيلا يلغو كلامه، وقلنا: إذا حاضت إحداهما وقع الطلاق عليهما، وكذلك إن ولدت إحداهما ولدًا وقع الطلاق عليهما، وقد يضاف الشيء إلى الاثنين والمراد به واحد كما في النظائر، بخلاف ما إذا قال لهما: إذا حضتما فأنتما طعان فحاضت إحداهما لم يقع على أحد شيء، حتى تحيض الأخرى فإن حاضتا وقع الطلاق عليهما، وكذلك له قال: إن ولدتما فأنتما طالقان، فولدت إحداهما لا تطلق حتى تلد الأخرى؛ لما أن العمل بالحقيقة ممكن، فإن فعل الحيض والولادة منهما متصور، فيشترط وجوده منهما؛ لأن الجزاء لا يتوزع على أجزاء الشرط، بل إنما ينزل الجزاء عند تمام الشرط، وذلك فيما إذا وجد الحيض والولادة منهما جميعًا.


(١) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٧/ ١٦٩).
(٢) [الرحمن: ٢٢].
(٣) [الكهف: ٦١].
(٤) [الأنعام: ١٣٠].
(٥) التيسير في التفسير لنجم الدين أبي حفص، عمر بن إسماعيل أبي حفص نجم الدين النسفي، عالمٌ بالأصول والتفسير والأدب والتاريخ، من فقهاء الحنفية، توفي سنة (٥٣٧ هـ) بسمرقند، وكتابه التفسير مخطوطاً في مكتبة أحمد الثالث برقم (١٧٥٦) ويوجد له نسخة على شكل مايكرو فيلم في جامعة الملك عبد العزيز. تاج التراجم (٣٤ - ٣٥)، معجم المؤلفين (٧/ ٣٠٥ - ٣٠٦).
(٦) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٣/ ١٣٠).