للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وموجبه، أي موجب القرض، أو وموجب الإعارة على تأويل عقد الإعارة معنى أي حكمًا.

وذكر في المبسوط (١): أن بدل القرض في الحكم كان عين المقبوض، إذ لو لم يجعل كذلك كان مبادلة الشيء بجنسه نسيئة، وذلك لا يجوز، فيصير من هذا الوجه كأنه غصب منه فلوساً فكسدت، فهناك يبرأ برد عينها، فههنا أيضاً يبرأ برد مثلها، وهذا لأن جواز الاستقراض [جائز] في الفلوس، لم يكن باعتبار صفة الثمنية، بل بكونها من ذوات الأمثال.

ألا ترى أن الاستقراض جائز في كل مكيل وموزون أو عددي متقارب؛ كالجوز والبيض، وبالكساد لم يخرج من أن يكون من ذوات الأمثال.

بخلاف البيع؛ لأن دخولها في العقد هناك بصفة الثمنية، وقد فات ذلك بالكساد.

فصل فيه، أي في القرض، إذ القرض لا يختص به، أي بالثمن في الفلوس، أو بالثمنية على تأويل معنى الثمنية.

وأصل الاختلاف، أي أصل الاختلاف بين أبي يوسف ومحمد، وإنما قيدنا به؛ لأنه بنى هذا الاختلاف على الاختلاف في غصب المثلي كالرطب مثلاً، وفيه كان الاختلاف بينهما نظير الاختلاف الذي نحن فيه على ما يذكر.

وقول محمد -رحمه الله-: انظر، أي للمقرض والمستقرض، أما للمقرض فبالنسبة إلى قول أبي حنيفة -رحمه الله-، فإن عند أبي حنيفة -رحمه الله- يلزم على المستقرض مثل تلك الفلوس الكاسدة وليس فيه نظر للمقرض.

وأما للمستقرض فبالنسبة إلى قول أبي يوسف -رحمه الله-، وأن الواجب عليه عند أبي يوسف قيمتها يوم القبض، فلا شك أن قيمتها صارت أقل يوم الكساد من قيمتها يوم القبض، فكان فيه نظر للمستقرض، فكان فيما قال أبو حنيفة -رحمه الله-، وهو إيجاب عين ذلك يتضرر المقرض، وفيما قاله أبو يوسف يتضرر المستقرض، فقلنا بقيمة يوم الكساد؛ نظراً للجانبين؛ لأن ذلك بينهما، وقول أبي يوسف -رحمه الله- أيسر؛ لأن قيمة الفلوس كانت معلومة يوم القرض للمقرض والمستقرض ولغيرهما، كما هي معلومة للمتعاقدين يوم البيع وللناس أجمع، فلما كانت قيمتها معلومة كان الأخذ بها أيسر في العمل، وأقل اختلافاً بين الناس، وأما قيمته يوم الانقطاع فغير معلومة للناس، بل يختلفون في قيمته يوم الانقطاع اختلافاً كثيراً، فلا يكون هو أيسر في معرفة حكم الشرع.

وذكر في فتاوى قاضي خان في باب الصرف (٢) في هذه المسألة: وقال محمد -رحمه الله-: عليه قيمتها في آخر يوم كانت رائجة، وعليه الفتوى، وذكر في المحيط (٣): فقد ذكر القيمة على قولهما من غير فصل بين ما إذا كانت قائمة أو هالكة، والفلوس المغصوبة إذا كسدت فإن كانت قائمة رد عليها بالإجماع، وإن كانت هالكة فعلى الاختلاف الذي مر، وهذه المسألة في الحاصل فرع المسألة أخرى في كتاب الغصب، أن من غصب من آخر رطباً وهلك عنده، أو استهلكه ثم انقطع أوان الرطب، قال أبو حنيفة -رحمه الله-: قيمته من الغصب يوم الخصومة، وقال أبو يوسف -رحمه الله-: عليه قيمته يوم الغصب، وقال محمد -رحمه الله-: يوم الانقطاع، وكثير من المشايخ كانوا يفتون بقول محمد، وبه كان يفتي الصدر الكبير برهان الأئمة، والصدر الشهيد حسام الدين -رحمهما الله-، وبعض مشايخة زماننا أفتوا بقول أبي يوسف، وقال: إلى الصواب أقرب في زماننا.


(١) المبسوط (١٤/ ٣٠).
(٢) البحر الرائق شرح كنز الدقائق (٦/ ٢١٩).
(٣) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٧/ ١٢٨).