للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«[فلا بدَّ] (١) من الإنابة والتَّحميل ولم يوجد» (٢)؛ فلا تصحُّ الشَّهادة بدون التَّحميل؛ لأن شاهد الفرع لا علم له بالحقِّ؛ لكنَّه يَنقل شهادة غيره عند محمد - رحمه الله - (٣) بطريق التَّوكيل، حتَّى لو رجع الأصول دون الفروع؛ وجب الضَّمان على الأصول في قول محمد.

ولو رجع الأصول والفروع جميعاً غير المشهود عليه إن شاء ضمَّن الأصول، وإن شاء ضمَّن الفروع؛ فلا يصير وكيلاً إلا بأمر.

وعند أبي حنيفة - رحمه الله -: وإن لم يكن الإشهاد توكيلاً حتَّى لو شهد إنسان على شهادته، ثم منعه عن الأداء لا يصحُّ منعه، وكان لشاهد الفرع أن يشهد على شهادته، ولو رجع الأصول لا يجب الضَّمان عليهم في قول أبي حنيفة، وأبي يوسف - رحمهما الله-، إلَّا أنَّ شهادة الأصول إنَّما تصير حُجَّةً بالنقل إلى مجلس القضاء؛ ولهذا يعتبر عدالة الأصول، فلا يكون لغيره أن يجعل كلامه حجَّة إلا بأمره؛ فلا يشهد على شهادته إلا بشهادةٍ (٤).

«وكذا لو سمعه يُشهِدُ الشَّاهد على شهادته، لم يسع للسَّامع أن يشهد» (٥)؛ لما قلنا إنَّه لا يصح إلا بأمره، وشاهد الأصل لم يَأمر السَّامع بالشَّهادة لصاحب الملك إذا وكَّل إنساناً بالتصرُّف، فسمع غيره؛ لم يصر السَّامعُ وكيلاً، فرق بين هذا وبين ما لو سمع قاضياً يُشهِدُ قوماً على قضائه، كان للسَّامع أن يشهد على قضائه؛ لأنَّ قضاء القاضي حجَّةٌ مُلزَمَةٌ، ومن عاين الحجَّة حلَّ له أن يشهد من غير إشهادٍ، كما لو عاين الإقرار، أو البيع، أو غير ذلك.

فأمَّا الشَّهادة في غير مجلس القضاء غير مُلزَمَةٍ، فكانت إنابة بالنَّقل، ولم يوجب الإنابة في حق السَّامع. كذا ذكره الإمام قاضي خان/ (٦).

وفي قوله: «إذا سمع شاهداً يشهد بشيء لم يجزه … » (٧) إلى آخره؛ أي: في غير مجلس القضاء، هكذا وجدت بخط شيخي - رحمه الله - (٨).

وفيما ذكرنا من تعليل قاضي خان بقوله: فأمَّا الشَّهادة في غير مجلس القضاء غير ملزمة، إشارةٌ إليه حتَّى لو سمع شاهداً يشهد عند القاضي بشهادةٍ حلَّ للسَّامع أن يشهد؛ [لأنَّ] (٩) شهادة الذي شهد عند القاضي مُلزِمَة؛ فصارت بمنزلة إشهاد القاضي قوماً على قضائه كما ذكرنا (١٠). والله أعلم.


(١) في «ج»: [ولابد].
(٢) الهداية (٣/ ١١٩).
(٣) سقط من «س»، وفي «ج»: [ر ح].
(٤) يُنظر: العناية شرح الهداية (٧/ ٣٨٥)، البناية شرح الهداية (٩/ ١٢٤).
(٥) الهداية (٣/ ١١٩).
(٦) ينظر: تبيين الحقائق (٤/ ٢١٤).
(٧) في الهداية (٣/ ١١٩): «فإذا سمع شاهداً يشهد بشيء؛ لم يجز له أن يشهد على شهادته إلا أن يشهد عليها».
(٨) في «ج»: [ر ح عليه].
(٩) في «س»: [بأنْ].
(١٠) يُنظر: مجمع الأنهر (٢/ ١٩٢).