للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: «وقيل: هذا بالاتفاق»، إشارةً إلى أول المسألة، وهو قوله:

«ولا يحلُّ للشَّاهد إذا رأى خطَّه أن يشهد» (١).

أي: ههنا لا يحلُّ للشَّاهد أن يشهد بالاتفاق.

«وإنَّما الخلاف فيما إذا وجد القاضي شهادةً في ديوانه» (٢).

أي: الشُّهود شهدوا فأثبت القاضي هذه الشَّهادة في قِمَطرِهِ (٣)، ثمَّ جاء المشهود له يطلب الحكم (٤).

جعل هذه المسألة في أدب القاضي في المبسوط ثلاثة خصوم، كما هو المذكور في باب السُّنن من أصول الفقه.

أحدها: «أنَّ القاضي إذا وجد في ديوانه صحيفة فيها شهادة شهود لا يحفظ أنَّهم شهدوا عنده بذلك، فعلى قول أبي حنيفة [رحمة الله عليه] (٥) أن يتفكَّر في ذلك حتَّى يتذكَّر؛ وليس له أن يقضي بذلك إن لم يتذكَّره.

وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله-: إذا وجد ذلك في قِمَطره تحت خاتمه، فعليه أن يقضي [به] (٦) وإن لم يتذكَّر، وهذا منها نوع رخصة؛ فالقاضي لكثرة أشغاله يعجز عن أن يحفظ كلَّ حادثة؛ ولهذا يكتب.

وإنَّما يحصل المقصود بالكتاب إذا جاز له أن يعتمد على الكتاب عند النِّسيان؛ فإنَّ الآدمي ليس في وِسِعَه التجرُّد عن النِّسيان.

ألا ترى إلى ما ذكر الله تعالى في حق من هو معصوم: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} (٧).

وفي تخصيصه بذلك بيان أنَّ غيره يَنسى، وسُمِّي الإنسان إنساناً لأنَّه ينسى،/ قال الله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} (٨)، ولو لم نجز له الاعتماد على كتابه عند نسيانه؛ أدَّى إلى الحرج، والحرج مدفوعٌ، وما كان في قِمَطره تحت خاتمه فالظَاهر أنَّه حقٌّ؛ وإن لم تصل إليه يد مغيرة ولا زائدة فيه، والقاضي مأمور بإتِّباع الظَّاهر.


(١) المسألة بتمامها في الهداية (٣/ ١١٩): «ولا يحل للشَّاهد إذا رأى خطَّه أن يشهد إلا أن يتذكر الشَّهادة؛ لأنَّ الخطُّ يشبه الخطَّ، فلم يحصل العلم، قيل هذا على قول أبي حنيفة/، وعندهما يحل له أن يشهد، وقيل هذا بالاتفاق».
(٢) الهداية (٣/ ١١٩).
(٣) القِمَطر: هو ما تصان فيه الكتب، وجمعه قماطر، وهو لفظ معرب.
يُنظر: البناية شرح الهداية (٩/ ١٢٥)، تحرير ألفاظ التنبيه (١/ ٣٣٤)، مختار الصحاح (١/ ٢٦٠)، معجم لغة الفقهاء (١/ ٣٧٠).
(٤) يُنظر: العناية شرح الهداية (٧/ ٣٨٧).
(٥) في «ج»: [ر ح عليه].
(٦) سقط من النسختين، وهي زيادة من المبسوط لإتمام المعنى.
(٧) سورة الأعلى: آية ٦.
(٨) سورة طه: آية ١١٥.