للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحجتنا أيضاً في ذلك قوله تعالى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} (١)؛ أي: من غير دينكم، وهو بناء على قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} (٢).

وما ثبت بضرورة النَّصِّ فهو كالمنصوص، ثمَّ انتسخ ذلك في حق المسلم بانتساخ حكم ولايتهم على المسلمين، فبقي حكم الشَّهادة فيما بينهم على ما ثبت بضرورة النَّص، وليس من ضرورة انتساخ شهادتهم على المسلمين انتساخ شهادة بعضهم على بعض كالولاية (٣).

«والفسق من حيث الاعتقاد غير مانع؛ لأنَّه يجتنب ما يعتقده محرم دينه، والكذب محظور الأديان» (٤).

فإن قلت: لا نُسَلِّم أنَّهم يجتنبون الكذب؛ بل يباشرونه، فإنَّ الله تعالى أخبر أنَّهم ينكرون الآيات عناداً مع علمهم بأنَّها حق، فكان ذلك كذباً منهم، قال الله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} (٥)، (٦).

قلتُ: كان ذلك في الأحبار الذين كانوا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٧)، حيث تواطؤا على كتمان نعت رسول الله -- صلى الله عليه وسلم -- ونبوته، فلا شهادة لأولئك عندنا.

فأمَّا من سواهم فيعتقدون الكفر؛ لأنَّ عندهم أنَّ الحقَّ ما هم عليه، قال الله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} (٨)، وقال تعالى: {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ} (٩).

وبهذا التَّحقيق يتبين أنَّ فسقهم فسق اعتقاد، وقد بيَّنا في شهادة أهل الأهواء أن فسق الاعتقاد لا يمكن تهمة الكذب في الشَّهادة (١٠).

فإن قلت: لو احتج الخصمُ بقوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (١١)، وقد شرط الله تعالى أنْ يكون الشَّاهد مرضياً، والكافر لا يكون مرضياً؛ ولأنَّ شهادته لا تقبل على المسلم، وكل من لا يكون من أهل الشَّهادة على المسلمين لا يكون من أهل الشَّهادة على أحد من العبيد والصبيان؛ بل أولى.


(١)، (٥) سورة المائدة: آية ١٠٦.
(٢) في «ج»: [المسلم].
(٣) المبسوط (١٦/ ١٣٤ - ١٣٥).
(٤) الهداية (٣/ ١٢٣).
(٥) سورة النمل: آية ١٤.
(٦) ينظر: تبيين الحقائق (٤/ ٢٢٤).
(٧) في «س»: [عليه السلام].
(٨) سورة البقرة، آية: ٧٨.
(٩) سورة البقرة، آية ١٤٦.
(١٠) ينظر: المبسوط (١٦/ ١٣٥).
(١١) سورة البقرة، آية: ٢٨٢.