للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[والعبد] (١) المسلم أحسن حالاً من الكافر.

ألا ترى أنَّ خبره في الديانات يُقبل ولا يقبل خبر الكافر.

ولأنَّ [الرِّق] (٢) من آثار الكفر، فإذا كان أثر الكفر يخرجه من الأهليَّة للشِّهادة فأصل الكفر أولى؛ ولأن لو قبلنا شهادته لأوجبنا على القاضي القضاء بشهادته، [ولا] (٣) يجوز أن يلزم المسلم شيئاً بقول الكافر (٤).

فما جوابنا عن هذا المجموع.

قلت: أمَّا الآية فإن الرضى ثبت في حق الكافر في حق المعاملات بصفة الأمانة؛ لأنَّ الله تعالى وصفهم بذلك، فقال: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} (٥) (٦).

وهذه الآية خرجت مخرج الوصف له بالأمانة، وفعل الأمانة يُرضي الله تعالى، وإن لم يكن الكافر يُرضيه لكفره؛ ولما كان مؤتمناً في المعاملات كان مؤتمناً في الشَّهادة؛ لأن الشَّهادة من أداء الأمانات.

وأمَّا العبيد والصبيان؛ فإنَّه لا شهادة لهم لانعدام الأهلية والولاية (٧).

«وأمَّا الكافر من أهل الولاية في جنسه فيكون من أهل الشَّهادة كالمسلم، وبيان الوصف في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (٨)، والمراد منه الولاية دون الموالاة على ما ذكرنا.

والدَّليل علىه أنَّه تصحُّ الأنكحة فيما بينهم، ولا نكاح إلا بولي في حق الأكثرين، والمسلم إذا خطب إلى كتابي ابنته الصَّغيرة فزوجها منه جاز النكاح.

فإذا ثبتت الأهليَّة للولاية ثبتت الأهليَّة للشهادة؛ لأنَّ في الشَّهادة نوع ولاية، وبهذا يتبيَّن أنَّ الولاية قد تثبت للكافر في جنسه ولا تثبت للعبد، فلم يلزم من عدم أهلية العبد في الشَّهادة عدم أهلية الكافر فيها.

وأمَّا قوله: لو قبلنا شهادته لأوجبنا على القاضي القضاء بقول الكافر، فقلنا: ليس كذلك؛ لأنَّ القاضي إنَّما يلزمه القضاء بتقلده عند قيام الحجَّة، وباعتبار أنَّه التزم أداء أمانة القضاء لا أن يكون الوجوب بقول الكافر؛ بل يلزمه أداء أمانة القضاء لتحملها، كما يلزمه النَّظر للغائب والصغير، لا بإيجاب من قبلهما؛ بل بأمانة [لحملها] (٩). إلى هذا كله أشار في المبسوط (١٠)، والأسرار، والإيضاح.


(١) في «س»: [فالعبد].
(٢) في «س»: [رقه].
(٣) في «ج»: [لا].
(٤) ينظر: المبسوط (١٦/ ١٣٤).
(٥) سورة آل عمران، آية ٧٥.
(٦) المبسوط (١٦/ ١٣٥).
(٧) المبسوط (١٦/ ١٣٥).
(٨) سورة الأنفال: آية ٧٣.
(٩) في «س»: [بحملها].
(١٠) ينظر: المبسوط (١٦/ ١٣٥).