للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: كما أنَّ الموافقة بين الشَّاهدين شرط صحة القضاء، فكذلك الموافقة بين الدَّعوى والشَّهادة أيضاً شرط صحة القضاء؛ لما [ذكر] (١) في الكتاب أن «الشَّهادة إذا [وافقت] (٢) الدَّعوى قبلت، وإن خالفتها لم تقبل» (٣).

ثم لو كان مثل هذا من الألف والألفين بين الدَّعوى والشَّهادة تقبل وتصح الدَّعوى». ذكره في طلاق المبسوط (٤).

وقال: لو ادَّعى المدَّعى ألفين وشهد شاهدان بألف، تقبل الشَّهادة بالاتفاق، فما جواب أبي حنيفة -رضي الله عنه- (٥) عن هذا؟

قلت: جوابه هو أنَّ الاتفاق في اللفظ بين الدَّعوى والشَّهادة ليس بشرط حسب اتفاقه بين الشَّاهدين، فإنَّ الموافقة بين الشَّاهدين في اللفظ شرط من كل وجه ألا ترى أنَّه قال: لو ادعى الغصب أو القتل وشهد شاهدان بالإقرار به تقبل، ولو شهد أحد الشَّاهدين بالغصب والآخر على الإقرار بالغصب لم تقبل؛ وهذا لأنَّ الشَّهادة تعتمد التلفظ ألا ترى أنَّها لا تقبل ما لم يقل: أَشهَدُ.

والذي يبطل مذهبهما أنَّه لو شهد شاهدان بتطليقة، وشاهدان بثلاث تطليقات، وفرَّق القاضي بينهما قبل الدخول، ثم رجعوا، كان ضمان نصف الطلاق على شاهدي الثلاث دون شاهدي الواحدة ولو اعتبرها، قال: إن الواحدة توجد في الثلاث؛ لكان الضمان عليهم جميعاً.

ولأن مدَّعِي الاثنتين أو الثلاث لا يكون مقرَّاً بالواحد، إذ لو كان مقراً بالواحد لكان مرتداً بالشِّرك بعد ذلك، فينبغي أن (يقتل) (٦).

ولا يلزم إذا قال لها زوجها: طلقي نفسك ثلاثاً، فقالت: طلقت واحدة كان ذلك منها جواباً حتى وقعت واحدة؛ لأنا نقول: إنَّ الزوج لما فوض الثلاث صح منه ذلك، وصار الثلاث في يدها، فصار أبعاضها في يدها ضرورة، كمن ملك عبداً يملك يده ورجله/.

ولا يلزم أنَّ الرَّجل إذا طلق امرأته ألفاً فإن الثلاث تقع؛ لأنا نقول: إنَّ الرجل تكلم بالطلاق عن ملكٍ لا عن أمرٍ، من حيث أنَّه ملك التطليق سُمِّي مالكاً له، فيملك ما يشاء من العدد؛ إلا أنَّه لا يتقيد إلا بقدر المحل. إلى هذا أشار في طلاق المبسوط (٧) والأسرار.

وأمَّا قولهما: «[أنَّهما] (٨) اتفقا على الألف، وتفرد أحدهما بالزيادة فيثبت ما اجتمعا عليه دون ما تفرد به أحدهما» (٩).


(١) في «ج»: [ذكرنا].
(٢) في «ج»: [وقعت].
(٣) الهداية (٣/ ١٢٦).
(٤) ينظر: المبسوط (٦/ ١٤٨).
(٥) في «س»: [رحمه الله].
(٦) في المبسوط: [تقبل].
(٧) ينظر: المبسوط (٦/ ١٤٨ - ١٤٩).
(٨) في «س»: [لأنهما].
(٩) الهداية (٣/ ١٢٦).