للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: نعم، إذا ثبت الألفان ثبت الألف في ضمنه، فأمَّا إذا لم تثبت الألفان وهو المتضمن لا يثبت ما في ضمنه؛ لأنَّ شرط ثبوت المتضمن موافقة صاحبه؛ فصار كما لو شهد أحدهما أنَّه قال لها: أنت خليَّة (١)، وشهد الآخر أنَّه قال لها: أنت بريَّة (٢)؛ يعني لما كان لفظين متغايرين لما قلنا، اعتبر التغاير، وإن كان موجبهما واحداً (٣).

ثمَّ أعلم أنَّ هذا كلَّه فيما إذا لم يدَّع المدَّعى عقداً، فأمَّا إذا كان في دعوى العقد، فهي ثمان مسائل: البيع، والإجارة، والكتابة، والرهن، والعتق على مال، والخلع، والصلح عن دم العمد، والنكاح (٤).

أمَّا في البيع إذا شهد أحدهما أنَّه اشترى عبد فلان بألف درهم، وشهد الآخر أنَّه اشترى بألف وخمسمائة، لم تقبل هذه الشَّهادة، سواءٌ كان المدَّعي يدَّعي الشراء بالألف أو بألف وخمسمائة، وسواءٌ وجد الدَّعوى من البائع أو من المشتري؛ لأنَّ دعوى الشِّراء قبل التَّسليم دعوى العقد، والعقد بألف غير العقد بألف وخمسمائة، فإذا لم يتفقا على ثمن لم يثبت أحد العقدين، ويجيء هذا كلَّه مشروحاً في هذا الباب. إلى هذا أشار الإمام قاضي خان/ (٥).

فإن قلت: على قولهما وهو أنَّهما يقبلان الشَّهادة على الأقل إذا اختلف الشَّاهدان، سواءٌ كان ذلك في الديون أو في الطلقات، يشكل ما ذكره في الذَّخيرة (٦).

فقال: لو شهد ثلاثةٌ، شهد أحدهما بتطليقةٍ واحدةٍ، وشهد الآخر بتطليقتين، وشهد الثالث بثلاث تطليقات، وقد دخل بها، فهي طالق ثلاث، [فما] (٧) وجهه؟

قلت: وجهه أيضاً فيما ذكره فيها، وهو أن الشَّاهد بالثلاث والشَّاهد بالطلقتين اتفقا على الطلقتين، فيقتضي وقوع ما اتفقا عليه، فتقع تطليقتان، بقي الشَّاهد بالثلاث شاهداً بتطليقة أخرى، وقد انضم إلى شهادته شهادة الذي شهد أولاً بتطليقة، فتقع هذه التطليقة أيضاً، فتقع ثلاث تطليقات لهذا، وإن لم يدخل بها تقع تطليقتان؛ لأنَّا لما قضينا بوقوع التَّطليقتين، فقد بانت منه، فلا يتصور وقوع تطليقة أخرى بعد ذلك.


(١) الخلية: الناقة تُطلق من عِقالها ويُخَلَّى عنها. ويقال للمرأة: أنتِ خَلِيَّةٌ، كناية عن الطلاق. الصحاح للجوهري (٦/ ٢٣٣٠).
(٢) البَرِيَّةُ: أصله: بريئة–بالهمز-؛ لأنه صفة من برئ من الشيء براءة، فهو بريء، والأنثى. بريئة. المطلع على ألفاظ المقنع (١/ ٤٠٨).
(٣) ينظر: البناية شرح الهداية (٩/ ١٦٩).
(٤) ينظر: البناية شرح الهداية (٩/ ١٧٠).
(٥) ينظر: فتاوى قاضي خان (٢/ ٢٩٠).
(٦) المحيط البرهاني (٨/ ٤٦٩).
(٧) في «ج»: [فيما].