للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«وإن رجع آخر، ضمن الراجعان نصف المال» (١).

فإن قيل: ينبغي ألا يجب الضَّمان على الراجع الأول أصلاً؛ لأنَّ المعتبر هو بقاء من بقي؛ وبعد رجوع الأول كان نصاب الشَّهادة موجودًا؛ وهو شهادة الشَّاهدين؛ حتى أنَّه كان لا يضمن برجوعه بنفسه حين رجع (٢).

ثم لو ضمن الأول برجوع الثاني كان رجوع الثاني مؤثرًا في ضمان الأول، ولا يؤاخذ أحد بجناية غيره، قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (٣).

قلنا: رجوع الأول كان مؤثراً في ضمانه حين رجع؛ لكن لم يظهر وجوب الضَّمان عليه لبقاء حق المدَّعى على حاله بدليله، وهو بقاء الشَّاهدين، فلما رجع واحدٌ من ذلك الشَّاهدين الباقيين الآن ظهر أنَّهما أتلفا نصف الحق على المدَّعَى عليه، فأضيف ضمان الحق إلى الراجعين [جميعا] (٤)، لأنَّ أحدهما ليس بأولى من الآخر في حق إيجاب الضمان، فكان الضمان عليهما.

وذكر في شرح الأقطع: وهذا كما يلزم الضمان جميع الشُّهود إذا رجعوا وهم ثلاثة، ولا يقول واحد منهم: لو رجعت وحدي لم يلزمني الضمان؛ لأني كنت ثالثهم فيجب أن لا يلزمني الضَّمان عند رجوع غيري؛ بل يجب الضمان على الكل، فكذا هنا.

«ولهذا لا تُقبل شهادتهن إلا بانضمام رجل» (٥).

«ألا ترى أنَّ الحجَّة لا تتم ما لم يشهد معهن رجل، فكان الثابت بشهادته نصف المال وبشهادتهن نصف المال.

يوضحه أنَّ الرجل متعين في هذه الشَّهادة للقيام بنصف الحجة، ولهذا لا تتم الحجة إلا بوجوده، فلا يتغير هذا الحكم بكثرة النِّساء، وإذا ثبت نصف الحكم [بشهادته] (٦) ضمن ذلك عند الرجوع، والنصف الآخر ثبت بشهادة النِّساء فعليهن ضمانه عند الرجوع.

وأبو حنيفة - رحمه الله - (٧) يقول: «كل امرأتين في الشَّهادة يقومان مقام الرجل الواحد» (٨)، فعشر نسوة بخمسة من الرجال، وهذه المسألة بمنزلة ما لو شهد ستة من الرجال ثم رجعوا، فيكون الضَّمان عليهم أسداساً.

ودليل صحة هذا الكلام أنَّ حكم الشَّهادة كحكم الميراث، وفي الميراث عند كثرة البنات مع الابن يُجعل كل اثنتين كابن واحدٍ، ولم يجعل هناك حالة الاختلاط كحالة انفراد البنات، فعند الانفراد لا يزاد لهن على الثلثين، ثم عند الاختلاط يجعل كل ابنتين كابن، فكذلك في الشَّهادة، وهذا لأنَّ النقصان عن أدنى العدد في الشَّهادة يمنع القضاء.


(١) الهداية (٣/ ١٣٣).
(٢) ينظر: العناية شرح الهداية (٧/ ٤٨٥).
(٣) سورة الأنعام: آية ١٦٤.
(٤) سقط من: «س».
(٥) الهداية (٣/ ١٣٣).
(٦) في «ج»: [شهادة].
(٧) في «س»: [رضى الله عنه].
(٨) الهداية (٣/ ١٣٣).