للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعن عيسى بن أبّان (١) -رحمه الله- أنه قال: الصحيح ما ذكر فِي الموضع الآخر دون ما قال فِي الجامع الكبير (٢)؛ لِأَنَّ الوكيل من جانب العبد فِي العتق سفير ومُعَبِّرٌ (٣) فإنه لا يستغني عن إضافة العقد إلى الآمر، وليس إليه من قبض المعقود عليه شيء فلا يتوجب عليه المطالبة بتسليم البدل، ألا ترَى أن المولى لو كان هو الذي أمر الرجل ليبيع نفس العبد من العبد بألف درهم إلى العطاء فباعه الوكيل بهذه الصفة يجوز البيع والألف عليه إلى ذلك الأجل والذي يلي قبض الألف [المولى] (٤) دون الوكيل فكذا هاهنا كذا ذكره الإمام الْمَحْبُوبِيّ -رحمه الله- (٥).

قوله: (وَمَنْ قَالَ لِعَبْدٍ: اِشْتَرِ لِي نَفْسَك مِنْ مَوْلَاكَ فَقَالَ لِمَوْلَاهُ بِعْنِي نَفْسِي لِفُلَانٍ بِكَذَا فَفَعَلَ فَهُوَ لِلْآمِرِ) (٦)، وإنما قيّد بقوله: (بِعْنِي نَفْسِي لِفُلَانٍ)؛ لِأَنَّهُ لو لم يقل لفلان فباعه مولاه يكون البيع للعبد فيعتق، فرق بين هذا وبين الأجنبي؛ فإن الأجنبي إِذَا كان وكيلاً من الآخر فقال للمولى: بعني هذا العبد لفلان، أو لم يقل: لفلان فباعه منه يصير الوكيل مشترياً لفلان فِي الصورتين، ولا يصير مشترياً لنفسه.

وأمّا هاهنا لو لم يقل لفلان يصير مشترياً لنفسه وإنّما كان هكذا؛ لِأَنَّ الوكيل إِذَا كان أجنبياً فلا فرق بين شرائه لنفسه وبين شرائه لغيره فِي حق البائع، وأما إِذَا كان الوكيل هو العبد فبين شرائه لنفسه وبين شرائه لغيره تفاوت فِي حق البائع، فإنه إِذَا اشترى نفسه لنفسه يكون إعتاقاً من البائع، فلما كان كذلك [لا يسوّى] (٧) بينهما بل يحمل إطلاقه على ما هو الظاهر، والظاهر أن العبد إنما يشتري نفسه لنفسه؛ لِأَنَّ التوكيل من الغير عارضٌ، فما لم يظهر ذلك يجب اعتبار الظاهر، أو نقول: لما كان بيع العبد من نفسه إعتاقاً وبيع العبد من الأجنبي بيعًا احتمل الإطلاق أن يكون بيعًا واحتمل أن يكون إعتاقاً فلا يكون امتثالاً بالشك بل شرطت الإضافة إلى الموكل ليكون امتثالاً بخلاف تصرف الأجنبي بالوكالة من غيره بالشراء؛ [فإنّه شراء] (٨) فِي الصورتين، ولما وقع شراء وقع امتثالاً، أو نقول عند الإطلاق: يجب أن يكون إعتاقاً؛ وذلك لِأَنَّ المولى [إِذَا باع نفسه منه إنّما يبيع ليكون له ولاؤه، وعلى تقدير صيرورته ملكًا للموكل] (٩) يفوت هذا الغرض ويختل هذا المقصود كذا فِي شروح الجامع الصغير (١٠).


(١) عيسى بن ابان بن صدقة البغدادي، الحنفي أبو موسى، فقيه، اصولي. اخذ عن مُحَمَّد بن الحسن، وولي القضاء عشرين سنة، من تصانيفه: اثبات القياس، خبر الواحد، اجتهاد الرأي، العلل والشهادات، والعلل في الفقه. وتوفي بالبصرة في المحرم (ت ٢٢٠ هـ).
يُنْظَر: طبقات الحنفية (١/ ١٥)، الفوائد البهية (ص ١٥١)، الجواهر المضية (١/ ٤٠١ - ٤٠٢).
(٢) يُنْظَر: البحر الرائق (٣/ ١٤٦).
(٣) السَفِير: الرسول المصْلِح بين القوم ومنه الوكيل سَفير ومُعبّر يعني إذا لم يكن العقدُ معاوضةً كالنكاح والخلع والعتق ونحوها فلا يتعلّق به شيء ولا يُطالَب بشيء. يُنْظَر: المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (١/ ٣٩٨).
(٤) [ساقط] من (أ).
(٥) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٢/ ٣٦٢).
(٦) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ١٦١).
(٧) فِي (أ) (لايشتري).
(٨) [ساقط] من (ج).
(٩) [ساقط] من (ج).
(١٠) الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير، أبو عبدالله محمد بن الحسن الشيباني، (ت ١٨٩ هـ)، الناشر عالم الكتب، سنة النشر ١٤٠٦ هـ، مكان النشر بيروت، عدد الأجزاء ١، وهو من كتب الأصول أو ما يسمى كتب ظاهر الرواية. يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (٤/ ٢٦٩).