للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمن حيث الفسخ كان له أن يخاصم يعني إِذَا ردّ على الوكيل بسبب العيب الذي يحدث مثله بإقرار الوكيل بقضاء القاضي لا يكون ذلك ردًّا على الموكل ولكن يبقى للوكيل حق الخصومة مع موكله فِي الردّ عليه بخلاف ما إِذَا ردّ على الوكيل بإقراره بدون قضاء القاضي حيث لا يبقى له حق الخصومة، والفرق أنَّ الردَّ لما حصل بقضاء تعذّر اعتباره بيعًا جديدًا (١) [لفقد] (٢) التراضي فكان فسخًا؛ لِأَنَّ هذا فسخ بدليل قاصر؛ فلقصور الحجة لا يكون الرد على الوكيل ردًّا على الآمر، ومن حيث إنه فسخ كان له أن يخاصم الموكل، ومتى كان الرد بالإقرار بغير قضاء كان فسخًا بالتراضي فأمكن اعتباره بيعًا جديدًا فِي الثالث فيبطل حق الخصومة.

فإن قيل: إِذَا كان الرد بإقرار الوكيل بغير قضاء يجب أن يكون له ولاية الرد على الموكل كما قيل فِي الإجارة: فإنّ الوكيل بالإجارة إِذَا آجر وسلّم ثُمَّ طعن المستأجر فيه بعيب فيقبل الوكيل بغير قضاء فإنه يلزم الموكل ولم يعتبر إجارة جديدة فِي حق الموكل حتى يصير كأن الوكيل استأجره من المستأجر، وذلك جائز إِذَا فعل.

قلنا: له فِي الفرق بينهما من أصحابنا من قال: لا فرق بينهما فِي الحقيقة؛ لِأَنَّ المعقود عليه فِي الإجارة فِي الدار لا يصير مقبوضاً بقبض الدار، ولهذا لو تلف بانهدام الدار كان فِي ضمان المؤجر فيكون هذا من البيع بمنزلة ما لو قبله الوكيل بالعيب قبل القبض بغير قضاء وهناك يلزم الآمر فكذا فِي الإجارة.

وقال الإمام شمس الأئمة السَّرَخْسِيُّ (٣) (٤) -رحمه الله-: وفِي الْكِتَابِ (٥) علل للفرق بين الفصلين وقال: لِأَنَّ فسخ الإجارة ليس بإجارة ومعنى هذا أن القبول بالعيب بغير قضاء القاضي فِي البيعِ يجعلُ بمنزلةِ عقدٍ مبتدَإٍ فِي حقِّ غيرِ المُتَعَاقِدَيْنِ (٦) والموكل غيرهما، وفِي الإجارة [لا يجعل] (٧) هكذا؛ لِأَنَّه على إحدى الطريقتين الإجارة فِي معنى عقود متفرقة يتجدد انعقادها بحسب ما يحدث من المنافع فبعد الردّ بالعيب يمتنع الانعقاد لا أن يجعل ذلك عقدًا مبتدأ وعلى الطريق الأخرى العقد منعقد باعتبار إقامة الدار مقام المعقود عليه وهو المنفعة، وهذا حكم قد ثبت بالضرورة فلا يعدو موضعها، ولا ضرورة إلى أن يجعل الردّ بالعيب عقدًا مبتدأ لتقام رقبة الدار مقام المنفعة هذا [إِذَا كان عيباً يحدث مثله، أما] (٨) إِذَا كان عيباً لا يحدث مثله فرده عليه بإقراره بقضاء قاض يكون ردًّا على الموكل باتفاق الروايات؛ لِأَنَّ القاضي فسخ البيع بينهما بعلمه بقيام العيب عند البائع لا بإقرار الوكيل فيلزم الأمر كما لو رده بالبينة، وإن ردّه عليه بإقراره بغير قضاء ذكر فِي عامة روايات المَبْسُوط (٩) أنه لا يلزم الآمر وليس للوكيل أن يخاصمه فِي ذلك.


(١) يُنْظَر: المحيط البرهاني؛ للإمام برهان الدين ابن مازة (٧/ ٥٨٢).
(٢) في (ج) (لتعذر).
(٣) مُحَمَّد بن أحمد بن أبي سهل أبو بكر السرخسي شمس الأئمة، من أهل سرخس بلدة فِي خرسان، كان إمامًا فِي فقه الحنفية، وعلامة حجة متكلمًا فقيهًا أصوليًّا مناظرًا، من مصنفاته المَبْسُوط وقد أملاه فِي السجن، وأصول السرخسي، وشرح السير الكبير لمُحَمَّد بن الحسن، (ت ٤٩٠ هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (٣/ ٧٨)، تاج التراجم (٢٣٤)، سير أعلام النبلاء (١٠/ ٤٧١).
(٤) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٩/ ٦٢).
(٥) المقصود بالكتاب: مختصر القُدُورِي (ت ٤٢٨ هـ). يُنْظَر: كشف الظنون (٢/ ١٦٣٢).
(٦) تكييف فقهي. يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٩/ ٦٢).
(٧) في (ج) (لا يحصل).
(٨) [ساقط] من (ج).
(٩) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٩/ ٦٢).