للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر هاهنا أنه لا يقضي بدفع المال إليه لزعمه بانتفاء حقه فِي الأخذ (لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْخُصُومَةِ وَهِيَ مُنَازَعَةٌ) (١) لِأَنَّ الخصومة اسم لكلام يجري بين اثنين على سبيل المنازعة والمشاجرة، والإقرار: اسم لكلام يجري على سبيل [المسالمة] (٢) والموافقة فكان ضدّ ما أمر به (] وَالْأَمْرُ (٣) [بِالشَّيْءِ لَا يَتَنَاوَلُ ضِدَّهُ؛ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ) (٤) الوكيل بالخصومة الهبة والبيع والصلح والدليل عليه بطلان إقرار الأب والوصي على الصبي مع أن ولايتهما أعم من ولاية الوكيل وأبو يُوسُف -رحمه الله- يقول الموكل أقام الوكيل مقام نفسه مطلقاً فيقتضي أن يملك ما كان الموكل مالكاً له والموكل مالك للإقرار بنفسه فِي مجلس القضاء [وفِي غير مجلس القضاء] (٥) فكذلك الوكيل وهذا؛ لِأَنَّهُ إنما يختص بمجلس القضاء ما لا يكون موجباً إلا بانضمام القضاء إليه كالبينة واليمين، فأمّا الإقرار فموجب للحق بنفسه سواء حصل من الوكيل أو من الموكل فمجلس القضاء فيه وغير مجلس القضاء سواء كذا فِي المَبْسُوط (٦) ويصح إِذَا استثنى الإقرار بأن وكَّله بالخصومة غير جائز الإقرار عليه هذه المسألة دليل من يقول أن التوكيل بالخصومة لا يتناول الإقرار فوجه الدلالة هو أن التوكيل بالخصومة لو كان مجازًا لمطلق الجواب كان ينبغي أن لا يصح استثناء الإقرار من التوكيل بالخصومة وذلك لِأَنَّ المراد من الجواب أما الإقرار أو الإنكار لا كلاهما بالاتفاق (٧).

ثُمَّ فِي صحة استثناء الإقرار عن الجواب يلزم استثناء الكل من الكلّ وذلك لا يجوز والدليل على هذا أن التوكيل بالخصومة غير جائز الإنكار لا يصح لما قلنا علم بهذا أنّ التوكيل بالخصومة ليس بمجاز لمطلق الجواب.

وذكر الإمام الْبَزْدَوِيّ (٨) -رحمه الله- فِي طريقته فِي تعليل قول زُفَر (٩) والشَّافِعِيِّ (١٠) ومما يدل عليه لو وكَّله واستثنى الإقرار فإنّه يصح التوكيل ولا يملك الإقرار/ ولو كان مطلق التوكيل يتناوله لما صحّ استثناؤه كما لو وكَّله بالخصومة واستثنى الإنكار؛ لِأَنَّ الإنكار هو الخصومة فإِذَا استثنى بطل الاستثناء لِأَنَّهُ استثنى جميع ما [تكلف] (١١) وهنا يصح التوكيل ولا يملك الإقرار علم أنه ليس من الخصومة.


(١) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٥١).
(٢) في (ج) (المعاملة).
(٣) فِي (أ) و (ب) و (ج) (والتوكيل) ولعل الصواب (والأمر) لموافقته سياق الكلام ولموافقته ماورد فِي كتاب الهِدَايَة (٣/ ١٥١).
(٤) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٥١).
(٥) [ساقط] من (ج).
(٦) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٩/ ٧).
(٧) يُنْظَر: المحيط البرهاني للإمام برهان الدين ابن مازة (٨/ ٧٣٥).
(٨) علي بن مُحَمَّد بن الحسين بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن مجاهد الْبَزْدَوِيّ، أبو الحسن، فخر الإسلام. فقيه، أصولي، محدث، مفسر. ولد فِي حدود سنة (٤٠٠ هـ) وتوفِي سنة (ت ٤٨٢ هـ)، ودفن بسمرقند.
من تصانيفه: المَبْسُوط، شرح الجامع الكبير للشيباني فِي فروع الفقه الحنفي. يُنْظَر: معجم المؤلفين: (٧/ ١٩٢)، الطبقات السنية: (ص ٢٣٨)، تاج التراجم: (ص ١٤)، سير اعلام النبلاء (١٨/ ٦٠٣).
(٩) يُنْظَر: بدائع الصنائع (٦/ ٢٤)، تبيين الحقائق؛ للزيلعي (٤/ ٢٨٠).
(١٠) يُنْظَر: الحاوي في فقه الشافعي (٦/ ٥١٥)، المهذب (١/ ٣٤٩ - ٣٥٠).
(١١) فِي (ب) و (ج) (تكلم).