للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا إِذَا كان وكيلاً من جانب المدّعى عليه فلا يصح استثناء/ الإقرار؛ لِأَنَّهُ لا يفيد وذلك لِأَنَّ المدّعي يثبت ما ادّعاه بالبينة على المدّعى عليه أو يضطر المدعى عليه على الإقرار بعرض اليمين عليه فيكون هو مجبوراً على الإقرار فكذلك وكيله إلا أنّ الوكيل عند توجّه اليمين يحيل اليمين على موكله؛ لِأَنَّ النِيَابَةَ لا تجري فِي الأَيْمانِ (١) فلا يفيد استثناء الإقرار فائدته (ولَمْ يُصَحِّحْهُ فِي الثَّانِي) (٢) أي: ولم يصحح مُحَمَّد -رحمه الله- استثناء الإقرار فِي حق المطلوب (لِكَوْنِهِ مَجْبُورًا عَلَيْهِ) (٣) أي: لكون المطلوب مجبوراً على الإقرار على ما ذكرنا هذا إِذَا استثنى [الإقرار] (٤).

وأمّا إِذَا استثنى الإنكار فهل يصح؟ نذكره وسائر الوجوه فيما بعد إن شاء الله تعالى (وَهُمَا يَقُولَانِ) أي: أبو حَنِيفَةَ ومُحَمَّد (إنَّ التَّوْكِيلَ يَتَنَاوَلُ جَوَابًا يُسَمَّى خُصُومَةً حقيقة) وهو الإنكار (أو مَجَازًا) وهو الإقرار وقد ذكرنا وجه الحقيقة فِي حق الإنكار بأنَّ الخصومة اسم لكلام يجري بين اثنين على سبيل المنازعة (٥) وذلك إنما يكون بالإنكار فكانت الخصومة للإنكار حقيقة والإقرار ضده فلا يكون الاسم لضده حقيقة فلو أريد الإقرار بالخصومة إنما يراد على طريق المجاز ووجه المجاز ما ذكره فِي الْكِتَابِ (٦) بقوله: (إِمَّا لِأَنَّهُ خَرَجَ فِي مُقَابَلَةِ الْخُصُومَةِ، أَوْ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ) (٧).

وذكر فِي المَبْسُوط (٨) والْأَسْرَار فجواب الخصم يسمّى خصومة مجازاً وإن لم يكن فِي نفسه خصومة بل كان مساعدة؛ لِأَنَّ سببه كان خصومة الآخر معه أو خرج فِي مقابلة خصومته كما يسمّى جزاء العدوان عدواناً أي: فِي قوله تعالى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (٩) وجزاء السيئة أي: فِي قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (١٠) وإن لم يكن الثاني سيئة بل كان حقاً؛ لِأَنَّهُ وجب بسبب السيئة وفِي مقابلتها، وإِذَا جاز أن يسمي جواب الخصومة خصومةً مجازاً، وإن لم يكن خصومة فِي نفسه حملت هذه التسمية على الجواب الذي هو مجاز بدلالة وهي أنَّ التوكيل أمرٌ بما هو له والذي يملكه فِي مقابلة خصومة دَعْوَى الْمُدَّعِي جوابه لا الإنكار فحسب فإنّه لا يملك الإنكار إِذَا عرفه محقاً بل يملك الإقرار حينئذ فثبت أنَّ الجواب المملوك له إمّا إقرار وإما إنكار فمطلق التوكيل ينصرف إلى ماله دون ما ليس له كعبد بين رجلين وكَّل أحدهما رجلاً يبيع نصفه فإنّه ينصرف إلى نصفه المملوك له خاصة دون نصف شائع من [النصيبين] (١١) لِأَنَّهُ وكّله ببيع النصف لينفذ أمره فيه وذلك إنما يكون فِي نصف مملوك له إلا أن ينص فيقول بنصف من [النصيبين] (١٢) جميعًا فكذلك هاهنا ينصرف إلى ماله وهو الجواب عن الدعوى.


(١) يُنْظَر: تخريج الفروع على الأصول (ص: ٨٣).
(٢) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٥١).
(٣) يُنْظَر: المرجع السابق.
(٤) [ساقط] من (ج).
(٥) يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (٥/ ١٩١)، المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (١/ ٢٥٨).
(٦) المقصود بالكتاب: مختصر القُدُورِي. يُنْظَر: الهِدَايَة شرح بداية المبتدي (٣/ ١٥١).
(٧) يُنْظَر: المرجع السابق.
(٨) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٩/ ٨).
(٩) سورة البقرة من الآية: (١٩٤).
(١٠) سورة الشورى من الآية: (٤٠).
(١١) في (ج) (النصفين جميعاً).
(١٢) في (ج) (النصفين).