للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا إِذَا لم يدل الدليل على انصراف اسم النصف إلى [النصف] (١) المملوك له خاصة ينصرف إلى النصف الشائع من النصيبين [كما هو حقيقة ألا ترَى أن رجلاً لو جاء وادّعى نصفه واستحقه بالبينة انصرف إلى نصف شائع من النصيبين] (٢) دون نصف عين أحدهما.

فإن قيل: أجمعنا على أنَّ [الْحَقِيقَة] (٣) مُرَادَة (٤) وهي الإنكار فبطل أن يكون مجازها مراداً وهو الإقرار إذ لو كان هو مراداً أيضاً يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز.

قلنا: إِذَا أنكر صح [لا] (٥)؛ لِأَنَّهُ حقيقة بل لِأَنَّهُ جواب الخصم فجواب الخصم يسمى خصومة مجازًا فملك الإنكار لكونه جواب الخصم لا لكونه خصومة ولما ملكه بلفظ المجاز دخل تحته ما يكون جواباً عملاً بعموم المجاز كما إِذَا حلف لا يضع قدمه فِي دار فلان فدخلها ماشياً حنث وهو حقيقة وإِذَا دخلها راكباً حنث أيضاً وهو مجاز؛ لِأَنَّ المراد بهذا اللفظ مجازه وهو الدخول إلا أن الدخول دخول سواء كان ماشياً أو راكباً فيحنث بعموم المجاز فِي الحالين وكذلك لو قال: اليوم الذي يقدم فيه فلان فامرأته طالق فقدم ليلاً أو نهاراً حنث والنهار حقيقة والليل مجاز: لِأَنَّهُ صار كناية عن الوقت مجازاً ثُمَّ عموم المجاز يتناول الليل والنهار فيحنث فِي الحالين بالمجاز لا بالحقيقة فِي حال والمجاز فِي أخرى بخلاف ما إِذَا وكَّله بالخصومة غير جائز الإقرار عليه: لِأَنَّهُ لم يبقَ لما رامه من الصرف إلى ما قاله مُحَمَّد -رحمه الله- فصار كالتوكيل ببيع نصف العبد من نصيبهما جميعًا فإنَّه لا ينصرف إلى نصفه خاصة؛ لِأَنَّ الأمر لا يحتمله وإنما يطلب تصحيحه على ماله إِذَا احتمل الأمر ذلك.

ولِأَنَّ مجلس الحكم مجلس الخصومة فما يجري فيه يُسَمَّى خصومة مجازاً وهذا لا يوجد فِي غير مجلس الحكم، ولِأَنَّهُ إنما استعان بالوكيل فيما يعجز عن مباشرته بنفسه وذلك فيما استحق عليه والمستحق عليه الجواب فِي مجلس الحكم وبخلاف الأب والوصي فإن تصرفهما مقيّد/ بالشرط الأنظر والأصلح قال الله تعالى: {قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} (٦)، وقال الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (٧)، وذلك لا يظهر بالإقرار فلهذا لا يملكه ولِأَنَّ الشرع هو الذي وكَّل الأب أو الوصي والشرع إنما وكَّله وأنابه فيما يكتسب لليتيم ما يقوم به مصالح [نفسه] (٨) عاجلاً لا فِي ما يقوم به مصالحه دينًا وليس فِي الإقرار مصلحة للصغير عاجلاً بل فيه ضرر وإنما يكون فيه مصلحة دينيّة والشرع قد وضعها عنه إلى أن يبلغ حتّى أنه لا يأثم بمطله فيبقى إبطال ملك بلا مصلحة، وأنَّه لا يدخل تحت ولايته كالهبة ونحوها فلذلك لم يصح إقرار الوصي إِذَا أقرّ على اليتيم أو إقرار الأب على الصغير فِي مجلس الخصومة قوله -رحمه الله-: (إمّا لِأَنَّهُ خرج) أي: لِأَنَّ الإقرار خرج (أو لِأَنَّهُ سَبَبٌ له) أي: لِأَنَّ الخصومة على تأويل التخاصم سبب [للإقرار] (٩) أي: الخصومة سبب للجواب والجواب سبب للإقرار؛ لِأَنَّ الجواب يكون تارة بنعم وتارة بلا فكانت الخصومة سبباً للإقرار بالواسطة وقد يسمّى المسبب باسم السبب كما يقال صلاة العيد سنة مع أنها واجبة باعتبار أنها تثبت بالسنة وكما سمى جزاء البينة التي هي مسبّب السنة باسم السنة إطلاقاً لاسم السبب على المسبّب (لِأَنَّ الظَّاهِرَ إتْيَانُهُ بِالْمُسْتَحَقِّ) أي: الظاهر من حاله أن يأتي (فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ) بما هو المستحق عليه (فَيَخْتَصُّ بِهِ) أي: الجواب المستحق يختص بمجلس القضاء حتى (لَا يُؤْمَرَ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ) أي: إلى الوكيل فإنَّ الوكيل لا يقبض المال لجهة الطالب بعد الإقرار (كَالْأَبِ أَوِ الْوَصِيِّ) إِذَا ادّعى شيئاً للصغير فأنكر المدّعى عليه وصدقه الأب أو الوصي ثُمَّ جاء يدّعي المال (وَلَا يَدْفَعُ الْمَالَ إِلَيْهِمَا) (١٠)؛ لِأَنَّهُ خرج من الولاية والوصاية فِي حق ذلك المال بسبب إقراره بما قاله المدّعى عليه فكذلك هاهنا فكان حاصل هذه المسألة وهي مسألة التوكيل بالخصومة على خمسة أوجه ذكرها فِي الذَّخِيرَةِ فقال وإِذَا وكَّل رجلاً بالخصومة فهو على وجوه: الأول: أن يوكله بالخصومة ولا يتعرض لشيء آخر وفِي هذا الوجه يصير وكيلاً بالإنكار بالإجماع ويصير وكيلاً بالإقرار أيضاً عند علمائنا الثلاثة -رحمهم الله- (١١)؛ لِأَنَّ التوكيل بالخصومة صحيح بالإجماع، وإنما يصح التوكيل بما هو حلال للموكل [ونفس] (١٢) الخصومة ليست بحلال للموكل لا محالة، لِأَنَّه على تقدير أنَّ المدّعي محق فِي الدعوى لا يحلّ للمدعى عليه الإنكار لا محالة أمّا جواب الخصومة وهو قوله: (نعم) (١٣) أو لا حلال له فجعلنا هذا توكيلاً بجواب الخصومة وأمكن [أن] (١٤) يجعل كذلك لِأَنَّ الخصومة مضاف إليها والجواب مضاف وحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقام المضاف سائغ فِي اللغة كما فِي قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (١٥) أي: أهل القرية والإقرار جواب الخصومة [كالإنكار] (١٦) فصحّ ما ادعينا أن التوكيل بالخصومة [منه] (١٧) توكيل بالإقرار.


(١) [ساقط] من (ج).
(٢) [ساقط] من (ج).
(٣) [ساقط] من (ج).
(٤) يُنْظَر: بدائع الصنائع (٧/ ٣٤٥).
(٥) [ساقط] من (ج).
(٦) سورة البقرة من الآية: (٢٢٠).
(٧) سورة الأنعام من الآية: (١٥٢)، وسورة الإسراء من الآية: (٣٤).
(٨) [ساقط] من (ج).
(٩) فِي (أ) (للجواب).
(١٠) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٥١).
(١١) إجماع العلماء الثلاثة هم: الإمام أبو حَنِيفَةَ وأبو يوسف ومحمد -رحمهم الله-، واختلف العلماء فِي هذه المسألة على قولين: الأول: كما ذكر الشارح لعلماء الحنفية ووجه عند المالكية، والثاني: لزُفَر من الحنفية، ووجه عند المالكية، ولجمهور العلماء من الشافعية والحنابلة، فإنه لا يكون وكيلا بالإقرار مطلقا.
يُنْظَر: البحر الرائق؛ لابن نجيم (٧/ ١٨٢)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد؛ لابن رشد (٤/ ٨٥)، الأم (٧/ ١١٩)، المغني؛ لابن قدامة (٥/ ٧٢).
(١٢) فِي (أ) (يفسق).
(١٣) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٥١).
(١٤) [ساقط] من (أ) و (ج).
(١٥) سورة يُوسُف من الآية: (٨٢).
(١٦) [ساقط] من (ج)
(١٧) [ساقط] من (أ) و (ب).