للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لأنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ الْمَاءِ فِي الْفَلَوَاتِ، وَلا دَلِيلَ عَلَى الْوُجُودِ فَلَمْ يَكُنْ وَاجِدًا لِلْمَاءِ (وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ هُنَاكَ مَاءً لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ حَتَّى يَطْلُبَهُ) لأنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ، ثُمَّ يَطْلُبُ مِقْدَارَ الْغَلْوَةِ وَلا يَبْلُغُ مِيلاً كَيْ لا يَنْقَطِعَ عَنْ رُفْقَتِهِ (وَإِنْ كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ مَاءٌ طَلَبَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَتَيَمَّمَ) لِعَدَمِ الْمَنْعِ غَالِبًا، فَإِنْ مَنَعَهُ مِنْهُ تَيَمَّمَ لَتَحَقُّقِ الْعَجْزِ

(وَلَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ الطَّلَبِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ -رحِمَهُ الله-) لأنَّهُ لا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ، وَقَالا لا يُجْزِيه لأنَّ الْمَاءَ مَبْذُولٌ عَادَةً (وَلَوْ أَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ إلا بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَعِنْدَهُ ثَمَنُهُ لا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ) لَتَحَقُّقِ الْقُدْرَةِ وَلا يَلْزَمُهُ تَحَمُّلُ الْغَبَنِ الْفَاحِشِ لأنَّ الضَّرَرَ مُسْقِطٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

-قوله: (ولو تيمم قبل الطلب أجزأه عند أبي حنيفة -رحِمَهُ الله-) لم يذكر في عامة النسخ قول أبي حنيفة في هذا الموضع، بل قيل: لا يجوز التيمم قبل الطلب إذا كان في غالب ظنه أنه يعطيه مطلقًا من غير ذكر خلاف بين علمائنا الثلاثة في «الإيضاح» (١).

وقال في «المبسوط» (٢): «وإن كان مع رفيقه ماء فعليه أن يسأله إلا على قول الحسن بن زياد فإنه كان يقول: السؤال ذل وفيه بعض الحرج، وما شرع التيمم إلا لدفع الحرج، ولكنا نقول: ماء الطهارة مبذول بين الناس عادةً، وليس في سؤال ما يحتاج إليه مذلة، فقد سأل رسول الله-عليه السلام-بعض حوائجه من غيره، فإن سأله فأبى أن يعطيه إلا بالثمن، فإن لم يكن معه ثمنه فإنه يتيمم بالإجماع لعجزه عن استعمال الماء، فإن كان معه ثمنه فهو على ثلاثة أوجه: أما إن أعطاه بمثل قيمته في ذلك الموضع أو بالغبن اليسير أو بالغبن الفاحش ففي الوجه الأول والثاني ليس له أن يتيمم؛ بل يشتري ويتوضأ، وفي بعض المواضع: إذا باعه بمثل القيمة أو بغبن يسير ومعه مال زيادة على ما يحتاج إليه في الزاد بمقدار ثمن الماء لا يتيمم بل يشتري الماء.

وفي الوجه الثالث: يتيمم.

وقال الحسن البصري-رحمه الله-: يلزمه الشراء بجميع ماله، ونحن لا نأخذ بهذا، فإن حرمة مال المسلم كحرمة نفسه فإذا لحقه خسران في ماله ففرضه التيمم والغبن الفاحش خسران، وقد بين الغبن الفاحش في «النوادر» (٣) فقال: إذا كان الماء الذي يكفي للوضوء يوجد في ذلك الموضع بدرهم فأبى أن يعطيه إلا بدرهم ونصف فعليه أن يشتري، وإن أبى أن يعطيه إلا بدرهمين يتيمم [ولا يشتري] (٤) فجعل الغبن الفاحش في تضعيف الثمن، وإنما قلنا: إذا كان يعطيه بمثل القيمة فعليه أن يشتري؛ لأن قدرته على بدل الماء كقدرته على عينه كما أن القدرة على ثمن الرقبة كالقدرة على عينها في المنع من التكفير بالصوم.

وقال بعضهم: الغبن الفاحش هو ما لا يدخل تحت تقويم المقومين كذا في «المبسوط» (٥) و «المحيط» (٦)، «وقيمة الماء إنما تعتبر في أقرب المواضع من الموضع الذي يعز فيه الماء» كذا في «فتاوى قاضي خان» (٧).


(١) الإيضاح في الفروع للإمام أبي الفضل، عبد الرحمن بن محمد الكرماني، (ت ٥٤٠ هـ) كشف الظنون (١/ ٢١١).
(٢) المبسوط للسرخسي (١/ ١١٥) باب التيمم.
(٣) النوادر للإمام محمد بن الحسن الشيباني -مخطوط مفقود- كشف الظنون (٢/ ١٨٥١).
(٤) في (ب): «ولم يشتر».
(٥) انظر: المبسوط للسرخسي (١/ ١١٥ - ١٢٢) باب التيمم.
(٦) انظر: المحيط (١/ ١٣٧ - ١٤٤) الفصل الخامس في التيمم.
(٧) انظر: فتاوى قاضي خان (١/ ٥٥) في فصل فيما يجوز له التيمم.