للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: (وهو) (١) أي: المديون (مظلوم فِي هذا الأخذ) (٢) وهو أخذ رب الدين الدين من المديون ثانياً (وَالْمَظْلُومُ لَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ) (٣) أي: المديون لا يأخذ/ من الوكيل بعد هلاك ما دفعه إليه؛ لِأَنَّ الوكيل فِي زعم المديون محق فِي قبضه الدين عنه وأخذ المديون مثل الدَّين الذي دفعه إليه بعدما هلك المدفوع ظلم من المديون وفِي المَبْسُوط (٤) فإن صدَّقه فِي الوكالة ولم يضمّنه لم يرجع به عليه لأنهما تصادقا على أنّه فِي المقبوض [أمين] (٥) وأن الطالب فِي قبضه من الغريم [ثانياً] (٦) ظالم ومن ظُلم ليس له أن يظلم غيره.

وذكر فِي الْإِيضَاحِ ولو كان له على رجل دين فجاء إنسان وادَّعى أنّه وكيل الطّالب وقبض ثُمَّ أنكر الطالب أن يكون وكَّله بذلك فهذا على ثلاثة أوجه (٧):

إمّا أن يصدقه أو يكذّبه، أو لا يصدّق [ولا يكذّب، أو يصدق] (٨) ويضمن [أي: ويقول له اضمن لي ما تقبضه لو أنكر الطالب] (٩) فإن صدقة [في] (١٠) الوكالة ولم يضمنه لم يكن له أن يضمن الوكيل لِأَنَّ فِي زعمه أنّ الوكيل قبض بحق وأنّ الطالب ظالم فليس له أن يظلم غيره وإن كذّبه ودفعه إليه على تكذيب كان له أن يضمن الوكيل لِأَنَّهُ فِي زعمه أنّه قبض بغير حق وأنّ القبض وقع من جهة يقتضي ضماناً فكان مضمونًا وكذلك إن لم يصدق ولم يكذّب لِأَنَّ الأصل عدم التصديق وكذلك إن صدَّقه وضمنه.

قوله: -رحمه الله- (إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَمِنَهُ عِنْدَ الدَّفْعِ) (١١) هذا اللفظ (١٢) مرويّ بالتشديد والتخفيف ففِي التشديد كان الضمير المستكن فِي ضمنه مسندًا إلى المديون والضمير البارز راجعًا إلى الوكيل وفِي التخفيف على العكس فإن معنى التشديد هو أن يجعل المديون الوكيل ضامنًا [عند] (١٣) دفع المال إلى الوكيل ويقول له: اضمن لي ما دفعت إليك من الطالب حتى لو أخذ الطالب من ماله أنا آخذ منك ما دفعته ولفظ المَبْسُوط (١٤) يدل على هذا وقال وإن صدّقه وضمّنه وقال: أنت وكيل ولكني لا آمن أن يجحد الطالب إِذَا حضر فاضمن لي ما يقبضه الطالب منّى وهذا ضمان صحيح؛ لِأَنَّهُ مضاف إلى سبب الوجوب فإنّ الطالب فِي حقهما غاصب فيما يقبضه ثانياً فكأنّه قال: أنا ضامن لك ما يقبضه فلان منك وهذا إضافة للضمان إلى سبب الوجوب فكان صحيحًا ومعنى التخفيف هو أن يقول الوكيل للمديون لو رجع عليك ربّ الدين ثانياً بذلك المال فأنا ضامن لك به وهو صحيح؛ (لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ ثَانِياً مَضْمُونٌ عَلَيْهِ) (١٥) أي: على ربّ الدين (فِي زَعْمِهِمَا) (١٦) أي: فِي زعم المديون والوكيل (وَهَذِهِ كَفَالَةٌ أُضِيفَتْ إلَى حَالَةِ الْقَبْضِ) أي: قبض رب الدين [ثانياً] (١٧) (بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ بِمَا ذَابَ لَهُ (١٨) عَلَى فُلَانٍ) أي: بما سيجب له على فلان وهذا ماضٍ أريد به المستقبل (١٩) وقد مرّ تقديره فوجه المشابهة بين المسألتين هو أنَّ الكفالة فِي قوله: (بما ذَابَ) كفالة أضيفت إلى حال وجوب فِي المستقبل على المكفول عنه، وهاهنا أيضاً كفالة الوكيل للمديون عن ربّ الدين كفالة أضيفت إلى حال وجوب فِي المستقبل على ربّ الدين وهو المكفول عنه؛ لِأَنَّ قبض الدين وإنْ كان بجهة استيفاء الدين فهو مضمون على القابض لما عُرف أن آخر الدينين يكون قضاء عن الأول وكانت كفالة الوكيل مضافة إلى حالة الوجوب التي هي حالة قبض رب الدين دينه عن المديون فيصح (وَلَوْ كَانَ الْغَرِيمُ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى الْوِكَالَةِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ) أي: ولم يكذبه أيضاً بل كان ساكتًا؛ لِأَنَّ فرع التكذيب يجيء بعد هذا بقوله: (وَكَذَا إِذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى تَكْذِيبِهِ إيَّاهُ فِي الْوِكَالَةِ) (٢٠) وحاصل هذا أنَّ الذي دفعه إلى الوكيل لو كان قائمًا فِي يده كما كان يستردّه المديون عند إنكار الموكّل الوكالة فِي الوجوه كلها ولو هلك المال فِي يد الوكيل يضمّنه فِي الوجوه الثلاثة:


(١) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٥٢).
(٢) يُنْظَر: المرجع السابق.
(٣) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٥٣).
(٤) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٩/ ١٢٥).
(٥) [ساقط] من (ج)
(٦) [ساقط] من (ج)
(٧) الصحيح على أربعة أوجه:
١ - دفعه مع التصديق من غير تضمين.
٢ - دفعه بالتصديق مع التضمين.
٣ - دفعه ساكتاً من غير تكذيب ولا تصديق.
٤ - دفعه مع التكذيب.
(٨) [ساقط] من (ج)
(٩) [ساقط] من (أ) و (ج).
(١٠) [ساقط] من (أ) و (ب).
(١١) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ١٦٣).
(١٢) اللفظ هو: ضمنه.
(١٣) [ساقط] من (ج).
(١٤) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٩/ ١٢٥).
(١٥) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٥٢).
(١٦) يُنْظَر: المرجع السابق.
(١٧) [ساقط] من (ج)
(١٨) كذا في نسخ المخطوط، وشروح الهداية شرح البداية، والمعنى ذَابَ له عليه من الحق كذا أي: وجب وثبت. يُنْظَر: مختار الصحاح؛ للرازي (ص: ٢٢٦).
(١٩) يُنْظَر: البحر الرائق (٦/ ٢٥٧).
(٢٠) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٥٣).