للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدها: … فيما إِذَا دفعه بالتصديق مع التضمين.

والثاني: … فيما إِذَا دفعه مع أنّه لم يصدقه ولم يكذّبه بل كان ساكتاً.

والثالث: … فيما إِذَا دفعه مع أنه كذبه ثُمَّ إنما يضمنه فيما كان ساكتًا لِأَنَّهُ دفع المال بزعمه وزعمه أن يستفيد المديون البراءة بما يدفعه إليه فيتقيد رضاه به.

وأمّا إِذَا دفعه مع أنّه كذّبه فِي الوكالة لِأَنَّ الوكيل قبض من المديون المال بشرط أن يستفيد المديون البراءة عما فِي ذمّته فإِذَا لم يستفد هذا لم يكن المديون راضياً بقبضه بل هو فِي حقّه كالغاصب فكان له أن يضمّنه كذا فِي المَبْسُوط (١).

(وَهَذَا أَظْهَرُ) (٢) أي: فِي حق جواز رجوع المديون على الوكيل بالنسبة إلى الصورتين الأوليين لِأَنَّ فِي هذه الصورة دفعه مع التكذيب فلما رجع عليه فِي الصورتين الأوليين مع أنه لم يكذبه فيهما فلأن يرجع عليه فِي هذه الصورة لِأَنَّهُ كذّبه فيما أخذنا بالطريق الأولى لِأَنَّ الوكيل فِي حقه/ بمنزلة الغاصب على ما ذكرنا من رواية المَبْسُوط (٣) فللمغصوب منه الرجوع على الغاصب (٤) وقوله: (لِمَا قُلْنَا) (٥) إشارة إلى قوله: (وَإِنَّمَا دَفَعَه إلَيْهِ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ)، (وَفِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا) (٦) يَعْنِي الْوُجُوهَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ وَهِيَ:

الأول: دَفْعُهُ مَعَ التَّصْدِيقِ مِنْ غَيْرِ تَضْمِينٍ.

الثاني: وَدَفْعُهُ بِالتَّصْدِيقِ مَعَ التَّضْمِينِ.

الثالث: وَدَفْعُهُ سَاكِتًا مِنْ غَيْرِ تَكْذِيبٍ وَلَا تَصْدِيقٍ.

الرابع: وَدَفْعُهُ مَعَ التَّكْذِيب.

(إمَّا ظَاهِرًا) أي: فِي حالة التصادق (أو مُحْتَمَلًا) أي: فِي حالة التكاذب، أو إِنْ كَانَ الْوَكِيلُ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ، كان صادقاً فِي قوله، أَوْ مُحْتَمَلًا إنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ مَسْتُورَ الْحَالِ كان قوله محتملاً الصدق (وَلِأَنَّ مَنْ بَاشَرَ التَّصَرُّفَ لِغَرَضٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ)؛ ولِأَنَّ يبقى الإنسان فِي نقص ما تم من جهته مردود، كما إِذَا كان الشفيع وكيل المشتري ليس له الشفعة؛ لِأَنَّهُ لو كان له الشفعة كان سعياً فِي نقض ما تم من جهته وهو البيع؛ لِأَنَّ البيع تم من جهة الشفيع (لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ) فلما أقرّ ببقاء الوديعة على ملك المودع لم يصحّ إقراره لغيره بحق القبض (بِخِلَافِ الدَّيْنِ) (٧) حيث يؤمر بالدفع إلى الوكيل الذي صدّقه فِي وكالته لِأَنَّ الديون تقضي بأمثالها لا بأعيانها (٨) فكان إقرار المديون إقراراً على نفسه بحق المطالبة والقبض كذا ذكره الإمام قَاضِي خَانْ -رحمه الله- ثُمَّ تلك الوجوه الأربعة التي ذكرها في الوكيل بقبض الدين وإرادة في الوكيل بقبض الوديعة أيضاً فقال فِي المَبْسُوط (٩): وإِذَا قبض رجل وديعة رجل فقال ربّ الوديعة: ما وكّلتك وحلف على ذلك وضمّن ماله المستودع رجع المستودع بالمال على القابض إن كان عنده بعينه؛ لِأَنَّهُ ملكه بأداء الضّمان وإن قال هلك مني أو دفعته إلى الموكل فهو على التفصيل الذي قلنا إن صدقه المستودع فِي الوكالة لم يرجع عليه بشيء وإن كذّبه أو لم يصدّقه ولم يكذبه أو صدّقه وضمّنه كان له أن يضمنه لما قلنا.


(١) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٩/ ١٢٤).
(٢) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٥٢).
(٣) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٩/ ١٢٤).
(٤) (لِأَنَّهُ إذَا كَذَّبَهُ صَارَ الْوَكِيلُ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ وَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ قَطْعًا). يُنْظَر: فتح القدير (١٨/ ٢٣٦).
(٥) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٥٢).
(٦) يُنْظَر: المرجع السابق.
(٧) يُنْظَر: المرجع السابق.
(٨) يُنْظَر: الأشباه والنظائر (١/ ٢٧٨).
(٩) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٩/ ١٦٣).