للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: البيع بالخيار غير لازم ومع ذلك لا يبطل البيع بالموت بل يتقرر البيع ويبطل الخيار.

قلنا: الأصْلُ فِي البيعِ اللُّزُومُ (١) وعدم اللزوم بسبب العارض وهو الخيار فإِذَا مات تقرّر الأصل وبطل العارض يقال جنون مُطْبِق بالباء المكسورة أي: دائم والحمى المطبقة هي الدائمة التي لا تفارق ليلاً ولا نهاراً (٢) كذا بخط الإمام الزُّرْنُوجِي (٣) -رحمه الله-.

(لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ) فإن من العبادات ما يكون التقدير فيها بحول كالزكاة (قَالُوا: الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي اللَّحَاقِ) وهو ما ذكر قبل هذا بقوله: (وَلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا) (٤) وإنما قُيِّدَ باللحاق؛ لِأَنَّهُ لو وكّله وهو مسلم ثُمَّ ارتدّ ثُمَّ أسلم قبل لحاقه بدار الحرب (فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ) (٥) فِي جميع ذلك؛ لِأَنَّ ملكه لم يزل قبل لحاقه بل توقف وبإسلامه قبل لحاقه تقرر، ألا ترى أنّه لو كان باع بنفسه ثُمَّ أسلم [نفذ] (٦) البيع وكذلك تبقى وكالة الوكيل فِي جميع ذلك ما خلا النكاح؛ لِأَنَّهُ بالردّة خرج من أن يكون مالكًا للنكاح بنفسه فتبطل الوكالة به أيضاً ثُمَّ لا تعود إلا بالتجديد كذا فِي المَبْسُوط (٧) وإن كان الموكل امرأة فارتدّت فالوكيل على وكالته حتى تموت.

وذكر فِي المَبْسُوط (٨) [وأنّ وكالته] (٩) وتوكيل [المرأة] (١٠) المرتدة بالتصرفات التي تملك مباشرتها بنفسها صحيح وكّلت بذلك مرتدة مثلها أو مسلمًا وكذلك لو كان التوكيل قبل ردتها تبقى بعد الردة؛ لأنها تبقى بعد الردة مالكة للتصرف بنفسها [إلا أن توكل بالتزويج وهي مرتدة فذلك باطل؛ لأنّها لا تملك أن تتزوج بنفسها] (١١) فلا يصح توكيلها بذلك حتّى لو زوّجها الوكيل فِي حال ردّتها لم يجز وإن لم يزوّجها حتى أسلمت ثُمَّ زوّجها جاز؛ لِأَنَّ التوكيل كالمضاف إلى ما بعد إسلامها بمنزلة المعتدة والمنكوحة إِذَا وكّلت إنسانًا بأن يزوّجها وهذا بخلاف ما إِذَا كان التوكيل فِي إسلامها ثُمَّ ارتدّت ثُمَّ أسلمت فزوجها لم يجز؛ لِأَنَّ ارتدادها إخراج له من الوكالة فإنّها حين كانت مالكة للعقد وقت التوكيل تثبت الوكالة فِي الحال ثُمَّ بردتها تخرج من أن تكون مالكة للعقد فيكون ذلك [عزلاً منها لوكيلها] (١٢) فبعدما انعزل لا يعود وكيلاً إلا بالتجديد كذا فِي المَبْسُوط (١٣).


(١) يُنْظَر: الأشباه والنظائر ـ للإمام تاج الدين السبكى (١/ ٣٠).
(٢) يُنْظَر: المعجم الوسيط (٢/ ٥٥١).
(٣) الإمام برهان الإسلام الزُّرنُوجِي- وقد يُسمى (برهان الدين الزُّرنوجي) - الذي يُنسب إلى (زُرْنوج) وهي بلد مشهور من أعمال تركستان. إمام فقيه، أحد فقهاء الحنفية، وتتلمذ على يد برهان الدين المرغيناني صاحب الهِدَايَة، عاش في خراسان في الفترة ما بين أواخر القرن السادس وأوائل القرن السابع الهجري، وليس هناك تاريخ محدد لوفاته إلا أنها انحصرت فيما بين عامي (٥٩٣ هـ - ٦٢٠ هـ (له كتاب تعليم المتعلم طريق التعلم. يُنْظَر: اكتفاء القنوع (١/ ١٩٠).
(٤) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ١٦٣).
(٥) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٥٣).
(٦) في (أ) (بعد).
(٧) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٩/ ٢٦).
(٨) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٩/ ٢٥٤).
(٩) [ساقط] من (ب) و (ج).
(١٠) [ساقط] من (ب) و (ج).
(١١) [ساقط] من (ج).
(١٢) في (ج) (توكيلاً).
(١٣) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٩/ ٢٥٥).