للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صبي فقال قتادة: من أين أنت؟ قال: من الكوفة. فقال: أنت من القوم الذين اتخذوا دينهم شيعًا. قال: لا، ولكني أفضل الشيخين وأحب الختنين وأرى الصلاة خلف كل برٍّ وفاجر، لا أكفر أحدًا بذنب، ولا أخرج أحدًا من الإسلام إلا من الوجه الذي دخل، وأرى المسح على الخفين. فقال له قتادة: أصبت فالزم. ثلاث مرات.

وقوله (١): (إلا من الوجه الذي [دخل]) يعني دخل في الإسلام بالشهادة فلا يحكم بخروجه عن الإسلام إلا بجحودها.

(الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ جَائِزٌ بِالسُّنَّةِ) وَالْأَخْبَارُ فِيهِ مُسْتَفِيضَةٌ حَتَّى قِيلَ إنَّ مَنْ لَمْ يَرَهُ كَانَ مُبْتَدِعًا لَكِنَّ مَنْ رَآهُ ثُمَّ لَمْ يَمْسَحْ آخِذًا بِالْعَزِيمَةِ كَانَ مَأْجُورًا

-قوله: (لكن من رآه ثم لم يمسح آخذًا بالعزيمة كان مأجورًا) فإن قلت: يجب أن لا يكون مأجورًا لما أن المسح على الخفين من النوع الرابع من الرخص والحكم في ذلك النوع هو أن لا تبقى العزيمة مشروعة أصلاً كما لم يبق شرعية اشتراط العينية في باب السلم وشرعية الصبر [عن] (٢) تناول الميتة وشرب الخمر في حالة الاضطرار لخوف الهلاك من الجوع والعطش أو للإكراه بحيث يفسد اشتراط العينية [لعقد] (٣) السلم ويأثم الصابر عن التناول إذا هلك، وعن هذا قالوا: هذه الرواية مأخوذة على المصنف لمخالفتها رواية أصول الفقه.

قلت: ليس كذلك بل المصنف أصاب الحق وطبق الفصل، وذلك لأن المسح على الخفين إنما كان من النوع الرابع من الرخص ما دام المكلف به متخففًا فأما إذا نزع خفيه أو أحدهما لم يعمل دليل الرخصة في حقه والنزع مشروع له لحقه فلا يكون حينئذٍ من ذلك النوع، وإنما قلنا ذلك لأن النوع الرابع من الرخص هو الذي خرج السبب الموجب للعزيمة من أن يكون موجبًا لها؛ [فلذلك] (٤) سقط حكم العزيمة أصلاً حتى أن وقت الظهر مثلاً خرج عن موجبية الشطر الثاني في حق المسافر فسقط عنه أصلاً، وقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: ٣] خرج عن موجبية التحريم في حق المضطر فسقطت عنه الحرمة أصلاً؛ لأن السفر والاضطرار منعاهما عن الموجبيَّة فلم يثبت حكم العزيمة في حقهما، وها هنا أيضًا السبب الموجب لغسل الرجل في حق المحدث المتخفف خرج عن كونه موجبًا للغسل أصلاً لمنع الخف سراية الحدث إلى الرجل [شرعًا] (٥) فلم يثبت حكم الغسل في حقه أصلاً لانعدام السبب؛ لأن المسح ناب مناب الغسل؛ لأن الغسل لم يجب في أصله فكيف ينوب المسح عنه، ولما سقط وجوب الغسل عنه وهو العزيمة بسبب انعدام السبب الموجب للغسل كان من النوع الرابع في الرخص، ولكن له ولاية نزع الخف فلما نزع سقط سبب الرخصة في حقه أيضًا كما سقط عنه سبب العزيمة عند اللبس، فكان هذا نظير من ترك السفر سقط عنه سبب رخصة سقوط شطر الصلاة، كما سقط عنه سبب العزيمة في [ذلك حال السفر، وليس لأحد أن يقول: إن تارك السفر آثم لعمله بالعزيمة في موضع كان سقط عنه العزيمة] (٦) بالسفر كما أن الصابر عن الميتة آثم عند الهلاك لعمله بالعزيمة لما أنه ليس للمضطر ولاية الصبر عن [تناول] (٧) الميتة للاستثناء المذكور في قوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: ١١٩]، والاستثناء من الحرمة يقتضي الإباحة فصار كأنه امتنع عن مال نفسه [اختيارًا] (٨) حتى مات جوعًا فإنه مؤاخذ [بتركه] (٩) فكذلك في المضطر.


(١) يعني بذلك كلام أبي حنيفة: السابق، والمتأمل في كلام أبي حنيفة: يجد فيه بيانًا واضحًا لعقيدته في الصحابة وغيرها من مسائل الاعتقاد وهي عقيدة أهل السنة والجماعة.
(٢) في (ب): «من».
(٣) في (ب): «بعد».
(٤) في (ب): «فكذلك».
(٥) ساقط من (ب).
(٦) ساقط من (ب).
(٧) في (ب): «ولاية» ولعله تصحيف.
(٨) في (ب): «أحيانًا» ولعله تصحيف.
(٩) في (ب): «بدمه» ولعله تصحيف.