للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: فما جوابنا عن قول من قال (١) ينبغي أن يبقي العين عند تعارض البينتين في الملك المطلق في يد ذي اليد كما كان قبل التعارض كما في الأدلة الشرعية وهذا لأنّه لما تعارضت البينتان تيقن القاضي بكذب أحدهما لأنّ العين الواحد في وقت واحد لا يكون كلها ملكًا لكل واحد منهما فبطلت البينتان وبقي العين في يد ذي اليد بحكم يده لأن البينة في إيجاب الحكم على القاضي بمنزلة الأدلة الشرعية في إيجاب الحكم على الكل.

قلت: الفرق بينهما ظاهر وهو أن الأدلة الشرعية حجة في النفي والإثبات فيتحقق التعارض وهاهنا البينتان للإثبات لا للنفي وحاجة ذي اليد إلى نفي استحقاق الخارج فلم يتحقق التعارض لذلك فلما لم يعارض بينة ذي اليد ببينة الخارج صار وجودها بمنزلة عدمها فلو قامت بينة الخارج عند عدم بينة ذي اليد كان الحكم للخارج فكذا إذا قامت بينة ذي اليد عند معارضتها إلى هذا أشار في المَبْسُوط (٢).

وقوله: (وكذا على الإعتاق وأختيه) (٣) أي: اليد لا يدل على الإعتاق والاستيلاء والتدبير فتعارضت بينة الخارج مع بينة ذي اليد ثُمَّ ترجحّت بينة ذي اليد.

وذكر في الذَّخِيرَةِ (٤) بخلاف ما لو تنازعا في عبد ادّعى كل واحد أنه عبده دبّره أو أعتقه وأقاما البينة فإنه يقضي ببينة صاحب اليد لأن هناك الدَّعْوَى في الحاصل في الولاء لأن العتق حاصل للعبد بتصادقهما وقد استوت البينتان في إثبات الولاء وترجح صاحب اليد بحكم يده ثُمَّ قال هذا إذا لم يذكر تاريخًا فأمّا إذا ذكرا تاريخًا إن كان تاريخهما على السواء يقضي للخارج منهما لأن عند استوائهما في التاريخ يسقط اعتبار التاريخ وتبقى الدَّعْوَى في الملك المطلق وإن أرّخا وتاريخ أحدهما أسبق فعلى قول أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- (٥) للتاريخ عبرة في دعوى الملك المطلق إذا احتجا على التاريخ [يجبر] (٦) فيقضى لأسبقهما ثُمَّ إن كان أسبقهما تاريخا الخارج فلا إشكال لأنهما لو كانا في التاريخ على السواء كان يقضى للخارج فإذا كان هو سابقاً في التاريخ كان أولى وإن كان أسبقهما تاريخا ذا اليد فلأنه أثبت الملك في وقت سابق على وقت الخارج ففي بينته زيادة إثبات واستحقاق من حيث الوقت وفي بينة الخارج زيادة استحقاق من حيث أنه يستحق على صاحب اليد الملك الثابت له بظاهر اليد فاستويا في إثبات الاستحقاق من هذا الوجه وترجح بينة صاحب اليد بحكم اليد كما في دعوى النِّتاج أنّ كل بينة لما أثبت أولية الملك لصاحبها ولم يحتمل التملك في هذا من جهة صاحبه واستويا في الإثبات رجحنا بينة ذي اليد بحكم اليد لأن يده دليل على زيادة صدقه في دعواه فكذا هنا (٧).


(١) يُنْظَر: الفتاوى الهندية (٤/ ٨٠).
(٢) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٧/ ٦٠).
(٣) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٥٧).
(٤) يُنْظَر: المحيط البرهاني (٩/ ٧٦١).
(٥) يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (٨/ ٤).
(٦) [ساقط] من (ب).
(٧) يُنْظَر: المحيط البرهاني (٩/ ٧٦٠).