للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الشافعي (١) -رحمه الله-: لا يقضي به بل يردّ اليمين على المدّعي فإن حلف أخذ المال وإن أبى انقطعت المنازعة بينهما والترفع عن الصادقة كما فعل عثمان (٢) / -رضي الله عنه- فإنه نكل عن اليمين وقال: أضاف أن يوافقه قضاء فيقال إن عثمان حلف كاذباً فلما احتمل لم يكن حجة (٣)، (ولنا أن النكول دلّ على كونه باذلًا) (٤) أي: على قول أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- (أو مُقِرًّا) أي: على قولهما (٥) (إذ لولا ذلك لأقدم على اليمين إقامة للواجب) (٦) لأنّه -عليه السلام- قال: «واليمين على من أنكر» (٧) وكلمة على للوجوب.

فإن قلت: هذا التعليل كله في معرض النص فلا يسمع؛ لأن الحديث المعروف وهو قوله -عليه السلام-: «البينة على المدّعي واليمين على من أنكر» (٨) دلّ على أن فصل الخصومات أما بالبينة أو باليمين لا بغيرهما فمن فصل بالنكول فقد فصل بغير المشروع ولأن اليمين في جانب الْمُدَّعَى عليه في الابتداء لكون الظاهر شاهدًا له فبنكوله صار الظاهر شاهدًا للمدّعي فتعود اليمين إلى جانب المدعي ولهذا بدأنا بالأيمان من جانب الزوج في اللعان لشهادة الظاهر له فإنه لا يلوّث فراشه كاذباً وإن كان هو مدّعياً وبدأنا في القسامة بيمين الولي لشهادة الظاهر له وإن كان مدعياً ولأن ما قاله الشافعي (٩) -رحمه الله- مؤيّد بما روي عن علي -رضي الله عنه- فإنه حلّف المدعي بعد نكول الْمُدَّعَى عليه (١٠).


(١) يُنْظَر: الأم (٧/ ١٢٨)، الحاوي في فقه الشافعي (١٦/ ٣١٧)، روضة الطالبين (١٢/ ٤٧).
(٢) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٧/ ٣٢).
(٣) أخرجه البيهقي في الكبرى، كتاب الشهادات، باب النكول ورد اليمين، برقم (٢١٢٥٧)، (١٠/ ١٨٤)، بلفظ: أن المقداد استقرض من عثمان بن عفان -رضي الله عنه- سبعة آلاف درهم، فلما تقاضاه قال: إنما هي أربعة آلاف، فخاصمه إلى عمر -رضي الله عنه-، فقال: إني قد أقرضت المقداد سبعة آلاف درهم، فقال المقداد: إنما هي أربعة آلاف، فقال المقداد: أحلفه أنها سبعة آلاف، فقال عمر -رضي الله عنه-: أنصفك، فأبى أن يحلف، فقال عمر: خذ ما أعطاك. قال البيهقي: إسناد صحيح، إلا أنه منقطع.
(٤) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٥٧).
(٥) يعني: (إن كان النكول بذلًا كما هو مذهب أبي حنيفة، أو مقرًّا إن كان إقرارًا كما هو مذهبهما) أي الصاحبين رحمهما الله، فيصير المدَّعى عليه بالنكول مقرَّاً عندهما. يُنْظَر: العناية شرح الهداية (٨/ ١٧٧).
(٦) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٥٧).
(٧) سبق تخريجه، ص (١٨١).
(٨) سبق تخريجه، ص (١٨١).
(٩) يُنْظَر: الأم (٧/ ١٢٨)، الحاوي في فقه الشافعي (١٦/ ٣١٧)، روضة الطالبين (١٢/ ٤٧).
(١٠) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ١٨٤) باب النكول ورد اليمين بلفظ (اليمين مع الشاهد فإن لم يكن له بينة فاليمين على المدعى عليه إذا كان قد خالطه فإن نكل حلف المدعى).