للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد قيل: إن التحليف على فعل الغير إنما يكون على العلم إذا قال الذي استحلف: لا علم لي بذلك، فأمّا إذا قال: لي علم بذلك يحلّف على البتات ألا ترَى أن المودع إذا قال: قبض صاحب الوديعة الوديعة منّي فإنّه يحلّف المودع على البتات وكذلك الوكيل بالبيع إذا باع وسلّم إلى المشتري ثُمَّ أقرّ البائع أن الموكل قبض الثمن وجحد الموكل فالقول قول الوكيل مع يمينه فإذا حلف برئ المشتري، ويحلّف الوكيل على البتات بالله لقد قبضه الموكل وهذا تحليف على فعل الغير ولكن الوكيل يدّعي أن له علمًا بذلك فإنّه قال: قبض الموكل الثمن فكان له علم بذلك فيحلّف على البتات كذا في الفصول الاسْتَرُوشَنِيّة (١) وذكر الإمام قَاضِي خَانْ -رحمه الله- أمّا الوارث فلا علم له بما صنع المورث ولعل المال كان أمانة في يده فلو حلّف على البتات يتضرر فيحلّف على العلم إذ الشراء سبب لثبوت الملك وضعًا وكذا الهبة (٢).

فإن قلت: بهذا التعليل لا يقع الفرق بين الإرث وغيره فإنّ الإرث أيضاً سبب موضوع للملك شرعًا كالهبة فكيف استحلف في الإرث بالعلم وفي الهبة والشراء بالبتات.

قلت: معنى قوله: (إذ الشراء سبب لثبوت الملك وضعًا) (٣) أي: أنّ ذلك السبب يثبت باختيار المشتري الشراء ومباشرته ولو لم يعلم المشتري بأن ذلك العين الذي اشتراه ملك البائع لما باشر الشراء باختياره، وكذا الموهوب له في قبول الهبة بخلاف الإرث فإنه يثبت الملك للوارث جبراً من غير اختياره ولا علم له بحال ملك المورث فلذلك يستحلف الوارث بالعلم والمشتري والموهوب له بالبتات إلى هذا أشار فخر الإسلام -رحمه الله- في الجامع الصغير (٤) فقال المشتري والموهوب له [مالك] (٥) بسبب شرعي وضع له وهذا يفيده علمًا بأنّه ملكه لا ملك غيره فصحّ تحليفه بالبتات (٦).


(١) يُنْظَر: الفتاوى الهندية (٤/ ٢٢)، والبحر الرائق (٧/ ٢١٨).
(٢) وكذلك فإن الشراء سبب لثبوت الملك باختيار المشتري، ومباشرته، ولو لم يعلم المشتري أن العين التي اشتراها ملك البائع لما باشر الشراء اختيارًا، وكذا الموهوب له في قبول الهبة، بخلاف الإرث، فإنه يثبت الملك للوارث جبرًا، من غير اختياره، ولا علم له بحال ملك المورث، يُنْظَر: نتائج الأفكار (٨/ ٢١١)، فتاوى قاضيخان (٢/ ٤٣٧).
(٣) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٦١).
(٤) يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (١/ ٣٨٩).
(٥) [ساقط] من (ج).
(٦) يُنْظَر: فتح القدير (٥/ ٤١٣).