للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: إنّ القاضي يتيقن بكذب أحدهما ضعيف، وكل واحد منهما اعتمد سبباً أطلق له أداء الشهادة وهو معاينة اليد لمن شهد له وبه فارق مسألة مكة والكوفة على العادات الغالبة التي يبتني عليها الأحكام وقد يتوالى يدان لشخصين على عين واحدة في وقتين فلهذا وجب القضاء هاهنا بهما بحسب الإمكان كذا في المَبْسُوطِ والْإِيضَاحِ (١).

ويرجع إلى تصديق المرأة لأحدهما؛ لأنّ تصادقهما [في حقّهما] (٢) أقوى من البينة.

وحُكي عن ركن الإسلام علي السُّغدي -رحمه الله- (٣): أنّه لا يترجّح أحدهما إلا بإحدى معانٍ ثلاث:

أحدها: … إقرار المرأة.

الثانية: … كونها في يد أحدهما.

الثالثة: … دخول أحدهما بها إلّا أن يقيم الآخر البينة أنّ نكاحه أسبق كذا في الخلاصة (٤).

فلا ينقض بما هو مثله أي: في الظَّنِّيات لا يُرفع المثل بالمثل كالقياس فإنّه لا يرفع القياس بالقياس بخلاف السمعيات بل دونه أي: بل دعوى المدّعي الآخر دون دعوى المدّعي الأول؛ لأن الأول قد اتصل القضاء به.

(إلا أن يؤقت شهود الثاني سابقاً) (٥) أي: أثبت المدّعي الثاني بالشهود أن نكاحه أسبق من نكاح المدّعي الأول فحينئذ يحكم بصحة نكاح المدّعي الثاني فإنّ المدعي الثاني ثاني ظهوراً ولكن هو سابق وقوعًا لسبق نكاحه بالبينة والثابت بالبيّنة كالثابت معاينة فلو عاينا نكاح إنسان كان نكاح الآخر مع بقائه باطلاً فكذا هنا.

وذكر في نكاح المَبْسُوط (٦) ولو تنازع رجلان في امرأة كل واحد منهما يدّعي أنّها امرأته ويقيم البينة فإن كانت في بيت أحدهما أو كان دخل بها فهي امرأته؛ لأن البينتين إذا تعارضتا [على العقد] (٧) يترجّح أحدهما بالقبض كما لو ادّعى رجلان تلقي الملك في عين من ثالث بالشراء، وأحدهما قابض وأقاما البينة كان بينة صاحب اليد أولى؛ ولأن فعل المسلم محمول على الصحة والحل ما أمكن والإمكان ثابت هاهنا بأن يجعل نكاح الذي دخل بها ثابتًا حين دخل، وهذا لأن تمكنه من الدخول بها أو من نقلها إلى بيته دليل سبق عقده ودليل التاريخ كالتصريح بالتاريخ إلا أن يقيم الآخر البينة أنه تزوّجها قبله فحينئذ يسقط اعتبار الدليل في مقابلة التصريح بالسّبق، وإن لم يكن في يد أحدهما فأيهما أقام البينة أنّه أول فهو أحق بها؛ لأن شهوده شهدوا بسبق التاريخ في عقده والثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة أو بإقرار الخصم (٨).


(١) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٧/ ٧٧).
(٢) [ساقط] من (ج).
(٣) علي بن جعفر بن علي السعدي، أبو القاسم، المعروف بابن القطاع: عالم بالأدب واللغة، من أبناء الأغالبة السعديين أصحاب المغرب. ولد في صقلية. ولما احتلها الفرنج انتقل إلى مصر، فأقام يعلم ولد الافضل الجمالي .. له تصانيف، منها "كتاب الافعال" ثلاثة أجزاء، في اللغة، و أبنية الاسماء و لمح الملح جمع فيه طائفة من شعر الأندلسيين، والعروض البارع (ت ٥١٥ هـ). يُنْظَر: الاعلام للزركلي (٤/ ٢٦٩)، إنباه الرواة على أنباة النحاة (٢/ ٢٣٦).
(٤) يُنْظَر: ونتائج الأفكار (٨/ ٢٦٠).
(٥) يُنْظَر: بداية المبتدي (١/ ١٦٨).
(٦) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٧/ ٧٥).
(٧) [ساقط] من (ج).
(٨) يُنْظَر: الاختيار لتعليل المختار (٢/ ١٢٦).