للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وَيَنْقُضُ الْمَسْحَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ) لأنَّهُ بَعْضُ الْوُضُوءِ (وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا نَزْعُ الْخُفِّ) لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ حَيْثُ زَالَ الْمَانِعُ، وَكَذَا نَزْعُ أَحَدِهِمَا لِتَعْذِرْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ فِي وَظِيفَةٍ وَاحِدَةٍ (وَكَذَا مُضِيُّ الْمُدَّةِ) لِمَا رَوَيْنَا (وَإِذَا تَمُتْ الْمُدَّةُ نَزَعَ خُفَّيْهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَصَلَّى وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ بَقِيَّةِ الْوُضُوءِ) وَكَذَا إذَا نَزَعَ قَبْلَ الْمُدَّةِ لأنَّ عِنْدَ النَّزْعِ يَسْرِي الْحَدَثُ السَّابِقُ إلَى الْقَدَمَيْنِ كَأَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْهُمَا،

-قوله: (وليس عليه إعادة بقية الوضوء) هذا احتراز عن قول الشافعي (١) -رحمه الله- فإنه يقول: عليه أن يعيد الوضوء.

وقال ابن أبي ليلى (٢) بأنه لا يعيد شيئًا من الوضوء، ويجوز أن تكون هذه المسألة بيننا وبين الشافعي -رحمه الله- مبنية على مسألة الموالاة فإن الموالاة والجمع بين الأعضاء في الغسل شرط في أحد قوليه في الوضوء (٣).

واحتج الشافعي في المسألة وقال: إن طهارة الرجلين قد انتقض بمضي مدة المسح وانتقاض الطهارة مما لا يتجزأ، فإن انتقض بعضه انتقض كله كما لو انتقض بالحدث، واحتج ابن أبي ليلى بأن المسح على الخفين قائم مقام غسل القدمين فصار المسح كغسل القدمين، ولو غسل قدميه ثم لبس خفيه ثم نزع لم يجب عليه غسل الرجلين فكذا هذا.

وأصحابنا احتجوا بما روي عن عبد الله بن عمر (٤) -رضي الله عنهما- أنه كان في غزوة فنزع خفيه وغسل قدميه ولم يعد الوضوء، وهكذا روي عن أصحاب [النبي -عليهم السلام-] (٥)، ولأن الخف شرع مانعًا من سريان الحدث إلى القدمين [ما دام وقت المسح باقيًا، فإذا مضى الوقت سرى الحدث إلى القدمين] (٦) وقد غسل عن ذلك الحدث سائر الأعضاء ولم يغسل قدميه فكان عليه غسل القدمين [كما لو لم يكن لابس الخفين أصلاً، ولم يحدث فيما بين ذلك لا يجب عليه إلا غسل القدمين] (٧)، كذا ها هنا.


(١) قال الشافعي: «فإذا وجب الغسل وجب نزع الخفين وغسل جميع البدن» الأم (١/ ٥٠).
(٢) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قاضي الكوفة وأحد فقهائها، ولد سنة: (٧٤ هـ) من شيوخه: الشعبي والحكم بن عتيبة، ومن تلاميذه: سفيان الثوري، والحسن بن صالح بن حي، توفي سنة: (١٤٨ هـ). انظر: طبقات الحنفية (٢/ ٥٤٧)، طبقات الفقهاء (١/ ٨٤)، مغاني الأخيار في شرح أسامي رجال معاني الآثار (٣/ ٣٥٧)، تهذيب التهذيب (٩/ ٣٠١)، لسان الميزان (٧/ ٢٦٦)، ديوان الإسلام (٤/ ١٠٣) للغزي المتوفى (١١٦٧ هـ) تحقيق: سيد كروي حسن، نشر: دار الكتب -بيروت، ط (١) ١٤١١ هـ.
(٣) الجوهرة النيرة (١/ ١٠٣).
(٤) لم أجده عن ابن عمر -رضي الله عنهما- وقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه (١/ ١٨٧) غير المحققة، والبيهقي في سننه (١/ ٢٨٩) كتاب الطهارة، باب من خلع خفيه بعد ما مسح عليهما، بإسناديهما عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في الرجل يمسح على خفيه ثم يبدو له فينزعهما، قال: يغسل قدميه. أ. هـ، وفي إسناده مقال ذكره البيهقي. وروى البيهقي أيضًا (١/ ٢٨٩) عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قصة المسح قال: «وكان أبي ينزع خفيه ويغسل رجليه».
(٥) في (ب): «رسول الله».
(٦) ساقط من (ب).
(٧) ساقط من (ب).