للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: وجوب القضاء يقتضي سابقه وجوب الأداء حتى أن حكمًا من الأحكام لما [لم يجب أداء] (١) لم يجب قضاء فكيف تخلف هذا في حق الصوم هنا حيث لم يجب أداءً ووجب قضاءً؟

قلت: هذه نهايات في الأحكام فينتهى إلى ما أنهانا إليه الشرع مع أن المعنى الفقهي يساعد لأن يكون الحكم على هذه الصفة لما قلنا من المعنى، وهو أن اشتراط الطهارة عن الحيض والنفاس لما ثبت نصًّا بخلاف القياس في الصوم صار كأن الوجوب متحققٌ في حق الحائض فصح بناء القضاء على الوجوب التقديري الذي في الأداء واشتراط الطهارة في حق الصلاة لما [بينا] (٢) على وفق القياس، وليس في وسع المرأة اكتساب صفة الطهارة عنهما بخلاف الجنابة والحدث لم يكن جعل الوجوب تقديرًا حالة الأداء، ثم لو قلنا مع ذلك بوجوب القضاء والحال أن أداء/ ٢٧/ أ/ الصلاة لم يكن واجبًا عليها لا تحقيقًا ولا تقديرًا يلزم بناء الحكم على المعدوم؛ لأن بناء وجوب القضاء على وجوب الأداء إذ القضاء خلف الأداء فمتى لم يجب الأصل لا يجب [الخلف] (٣) فكان صحة [بناء] (٤) قضاء الصوم هنا على الوجوب التقديري في الأداء نظير صحة بناء النافلة على الصلاة المظنونة، وعدم صحة قضاء الصلاة هنا نظير عدم صحة اقتداء البالغين على الصبي في التراويح لما أن عدم الضمان في المظنونه يعارض ظن [يخص] (٥) الإمام جعل الضمان موجودًا تقديرًا بخلاف صلاة الصبي؛ فإن عدم الضمان فيه أصلي لأصالة الصبي فلم يجعل موجودًا تقديرًا فلم يصح البناء لذلك عند عامة المشايخ، وإلى هذا المعنى أشار فخر الإسلام -رحمه الله- في عوارض أصول الفقه (٦).

(وَلا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ) وَكَذَا الْجُنُبُ لِقَوْلِهِ -عَلَيْه الصَّلاة والسَّلام-: «فَإِنِّي لا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلا جُنُبٍ». وَهُوَ بِإِطْلاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ -رحِمَهُ الله- فِي إبَاحَةِ الدُّخُولِ عَلَى وَجْهِ الْعُبُورِ وَالْمُرُورِ (وَلا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ) لأنَّ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ (وَلا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}

-قوله -رحمه الله-: (وهو بإطلاقه حجة على الشافعي في إباحته الدخول على وجه العبور والمرور) (٧) وقال في «المبسوط»: «مسافر مر بمسجد فيه عين ماء وهو جنب [ولا] (٨) يجد غيره فإنه يتيمم لدخول المسجد؛ لأن الجنابة تمنعه من دخول المسجد على كل حال عندنا سواء كان قصد المكث فيه أو الاجتياز، وعند الشافعي: له أن يدخله مجتازًا لظاهر قوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: ٤٣]. ولكن أهل التفسير قالوا: إلا ها هنا بمعنى ولا، أي: ولا عابري سبيل] (٩). وهذا محتمل، [فيبقى] (١٠) المنع لقوله: {لَا تَقْرَبُوا} [النساء: ٤٣] وهو عاجز عن الماء قبل دخول المسجد فيتيمم ثم يدخل المسجد فيستقي منه» (١١).


(١) ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).
(٢) في (ب): «ثبت».
(٣) في (ب): «البدل».
(٤) ساقطة من (ب).
(٥) في (ب): «تحقق».
(٦) انظر: أصول البزدوي (١/ ٣٢٩ - ٣٣٨).
(٧) انظر: شرح فتح القدير (١/ ١٦٥)، البناية (١/ ٦٣٦ - ٦٣٨)، حاشية رد المحتار (١/ ٢٩١) ومذهب الشافعية: أن الحائض إذا أرادت العبور في المسجد، إن خافت تلويثه لعدم إحكامها الشد، أو لغلبة الدم، حرم عليها العبور، ولا يختص هذا بها، بل المستحاضة، والسلس، ومن به جراحة نضاخة، يحرم عليهم العبور إذا خافوا التلويث، فإن أمنت الحائض التلويث، جاز لها العبور على الصحيح، كالجنب ومن عليه نجاسة لا يخاف تلويثها. انظر: الوسيط في المذهب (١/ ٤١٣)، روضة الطالبين (١/ ١٣٥)، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (١/ ٤١٣).
(٨) في (ب): «ولم».
(٩) ساقطة من (ب).
(١٠) في (ب): «فبقي».
(١١) المبسوط للسرخسي (١/ ١١٨) باب التيمم.