للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: (لامتناع قبض المشتري) يتعلق بقوله: (أن ينفسخ).

وقوله: (بالأخذ)، أي: بسبب أخذ الشفيع بالشفعة، يعني: لما أخذ الشفيع الدار بالشفعة من المشتري يفسخ القاضي البيع الذي جرى بين البائع والمشتري صار ذلك الانفساخ الحاصل من فسخ القاضي منحصرًا في حق المشتري، لا في حق البائع، وصار الشفيع بسبب أخذ الدار بالشفعة قائمًا مقام المشتري في حق كاف الخطاب الذي خاطبه البائع بقوله: بعت منك، فصار كأن البائع أضاف البيع إلى الشفيع تقديرًا في ذلك الخطاب.

وإنما قلنا: إنه انفسخ في حق المشتري؛ لأنه لما قام الشفيع مقام المشتري في حق إضافة البيع، والدار غير مقبوضة للمشتري، والكلام فيه، ولا يقبضها أبدًا بهذا البيع صار كأن المبيع هلك قبل أن يقبل (١) إلى المشتري، وذلك يوجب انفساخ العقد، فكذا هنا، وإنما احتجنا إلى هذا التكلف كله من انفساخ البيع في حق المشتري دون البائع؛ لأنه لو انفسخ البيع من كل وجه في حق البائع والمشتري جميعًا صار كأن البيع لم يكن أصلاً؛ لأن الانفساخ من كل وجه عبارة عنه، فحينئذ يَبطل حق الشفعة أيضًا؛ لأن الشفعة إنما يجب بالبيع، فلو قلنا بالفسخ في حقهما جميعًا صار كأن البيع لم يكن موجودًا أصلاً، فلا تجب الشفعة، وما جعلنا الفسخ في حق المشتري إلا لأجل إيجاب الشفعة للشفيع، فلذلك أثبتنا عقد البيع في حق البائع؛ ليكون أخذ الشفيع الشفعة بناء عليه.

وإلى هذا أشار بقوله: (إلا أنه يبقى أصل البيع لتعذر انفساخه؛ لأنَّ الشفعة بناء عليه، ولكنه تتحول الصفقة إليه)، وأوضح هذا التقرير في «الإيضاح» و «الذخيرة»، فقال في «الذخيرة»: «فإن أخذها من البائع فعهدته وضمان ماله على البائع عندنا؛ لأن بالأخذ من البائع ينفسخ العقد الذي جرى بين البائع والمشتري، ويقع التملك على البائع، وهو المذهب عند علمائنا، ثم قال: وقيل معنى انتقاض المبيع فيما بين البائع والمشتري: الانتقاض/ في حق الإضافة إليه، فإن قول البائع للمشتري: بعت هذه الدار إثبات للبيع (٢).

وقوله: (منك) إضافة إليه، فإذا أخذها الشفيع بالشفعة تقدم على المشتري، فصار ذلك البيع مضافًا إلى الشفيع بعد أن كان مضافًا إلى المشتري، وانتقضت الإضافة إلى المشتري، ونظيره في المحسوسات: مَن رمى سهمًا إلى رجل فتقدم عليه غيره، وأصابه السهم، فالرمي في نفسه لم ينقطع، ولكن التوجيه إلى الأول قد انقطع بتحلل هذا الثاني؛ فخرج الأول من أن يكون مقصودًا بالرمي.


(١) في (ع): «يصل».
(٢) ينظر: المحيط البرهاني: ٧/ ٢٧٧، ٢٧٨.