للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: يشكل على هذا الأصل ما ذكره بعد هذا في الكتاب في آخر هذا الباب الذي يجب (١) فيه، وفي الباب السادس من شفعة «الجامع الكبير» (٢)، وهو مسألتان:

إحداهما: أن المشتري إذا اشترى دارًا قد رآها قبل الشرى، فليس له فيها خيار الرؤية، ثم لو كان للدار شفيع وأخذها بالشفعة قبل أن يقبضها المشتري، فله فيها خيار [الرؤية] (٣)، فقد أثبت محمد خيار الرؤية للشفيع في هذه المسألة، ولو بجواب (٤) الصفقة الموجهة إلى المشتري إلى الشفيع لما ثبت للشفيع خيار الرؤية.

ألا ترى أن الموكل بالشرى إذا ملك (٥) المشتري بطريق يحول (٦) صفقة الوكيل إليه لا يثبت خيار الرؤية للموكل إذا لم يثبت للوكيل بأن كان الوكيل قد رآه قبل الشرى.

والثانية: أن المشتري إذا اشترى دارًا على أن البائع بريء من كل عيب بها، ولم يقبضها بعد، ثم أخذها الشفيع بالشفعة، واطلع على عيب بها كان له أن يردها، ولو كان الأخذ بالشفعة بطريق تحول الصفقة الثانية [للمشتري إلى الشفيع] (٧)؛ لما ثبت للشفيع ولاية الرد بالعيب، كما لم يكن هو للمشتري» (٨).

قلت: ما ذكره في الكتاب بأن الصفقة تتحول من المشتري إلى الشفيع من غير تجديد العقد بين المشتري والشفيع هو اختيار بعض المشايخ.

وأما اختيار عامة المشايخ فينتقل الدار من المشتري إلى الشفيع بعقد جديد بينهما؛ استدلالاً بهاتين المسألتين.

وأما جواب المشايخ الذين قالوا: تتحول الصفقة من المشتري إلى الشفيع من غير عقد جديد بينهما عن هاتين المسألتين هو: أن العقد يقتضي سلامة المعقود عليه من العيب، وإنما تغير في حق المشتري بعارض الشرط، وشرط البراءة وجد من المشتري دون الشفيع، فتحولت (٩) الصفقة إلى الشفيع مُوحية للسلامة نظرًا إلى الأصل.

وكذلك لو كان المشتري رأى بالدار عيوبًا عند الشرى (١٠) وقبله، ولم ير الشفيع شيئًا من ذلك كان للشفيع أن يردها بالعيب؛ لما قلنا: إن براءة البائع عن العيوب في حق المشتري إنما كان بعارض قبول المشتري، ولم يوجد ذلك العارض في حق الشفيع، والأصل هو السلامة عن العيب فيكون له ولاية الرد بالعيب. كذا ذكره في «الجامع الكبير» (١١) للإمام المعروف بصدر حميد (١٢).


(١) في (ع): «نحن».
(٢) هو الجامع الكبير في الفروع، للإمام المجتهد أبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني، الحنفي (تـ ١٨٩ هـ). ينظر: كشف الظنون: ١/ ٥٦٩.
(٣) ساقطة من: (ع).
(٤) في (ع): «تحولت».
(٥) في (ع): «تملك».
(٦) في (ع): «تحول».
(٧) في (ع): «إلى المشتري، أي: الشفيع».
(٨) ينظر: بدائع الصنائع: ٥/ ٢٤، البناية: ١١/ ٣١٧.
(٩) في (ع): «فتحول».
(١٠) في (ع): «المشتري».
(١١) ينظر: الأصل للشيباني: ٩/ ٣١٧.
(١٢) علي بن محمد بن علي، الإمام حميد الدين الضرير الرامشي البخاري، إمام علامة، له شرح على «الهداية» يسمى بـ «الفوائد»، توفي سنة ٦٦٦ هـ. ينظر: تاج التراجم: ص ٢١٥، الجواهر المضية: ١/ ٣٧٣.