للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلنا: إنما يجبر لدفع الضرر عن غيره؛ كالغريم يحبس حتى يبيع ماله ليقضي الدين، وبهذا السؤال والجواب صَرَّح في «المغني» حيث قال (١): «فإن قيل: لو كان الرجحان في هذه القسمة للمبالغة لكان لا يجبر الآبي عليها، وبالإجماع يجبر، وكذلك لا يثبت حكم الغرور فيها حتى أن الشريكين إذا اقتسما دارًا أو أرضًا بينهما، وبنى أحدهما في نصيبه بناءً، ثم جاء مستحق واستحق الطابقة التي بنى فيها، ونقض بناه لا يرجع على صاحبه بقيمة البناء، ولو كان الرجحان لجانب المبايعة لثبت الغرور، كما لو اشترى.

قلنا: الجبر على هذه المبايعة [لقطع ارتفاق الآبي الملك لصاحبه، ويجوز أن يجري الجبر على المبايعة] (٢) باعتبار حق مستحق للغير.

ألا ترى أن المشتري لا يجبر على تسليم الدار إلى الشفيع، وإن كان التسليم إليه مبايعة، إنما يجبر لحق الشفيع؟

ألا ترى أن المديون يحبس حتى يبيع ماله ويقضي الدين، فحدثان الجبر عليها لا ينفي كونها مبايعة؟

وأما الثاني قلنا: إنما لا يثبت الغرور؛ لأن كل واحد منهما مضطر في هذه المبايعة؛ لأنه يحتاج إلى تخليص حقه ومنع صاحبه عن الارتفاق بملكه، ولا يمكنه ذلك إلا بهذه المبايعة، فيكون مضطرًا إلى هذه المبايعة لإحياء حقه، والجبر كما ثبت بالإكراه يثبت بالحاجة إلى إحياء الحق؛ كصاحب العلو إذا بنى السفل، وإن (٣) كان مخيرًا على (٤) هذه المبايعة لا يثبت فيها حكم الغرور، كالشفيع إذا أخذ الدار من المشتري بقضاء القاضي وإن كانت أجناسًا، أي: وإن كانت الأعيان المشتركة أجناسًا لا يجبر القاضي على قسمتها.

وحاصل ذلك: أن الأعيان المشتركة في أصلها فلا تخلو: إما إن كانت من جنس واحد أو من أجناس مختلفة، فإن كانت من جنس واحد فلا يخلو: إما إن كانت مما يجري فيه الربا؛ كالمكيل، أو الموزون (٥)، أو لا يجري؛ كالحيوانات، فجبر القاضي يجري عند طلب أحد الشريكين القسمة في هذين الوجهين بعد أن كانا من جنس واحد حتى لو كان بين رجلين جماعة غنم أو جماعة بقر أو جماعة إبل أو جماعة ثياب كلها من جنس واحد، فطلب أحدهما قسمته وأبى الآخر ذلك، فإن القاضي يجبر الآبي منهما على القسمة؛ لأن الآبي منهما متغيب؛ لأن المشاع ناقص المنفعة والمقسوم وآخر المنفعة، فلا يلتفت القاضي إلى تعنته، هذا إذا كانت المنفعة تبقى بعد القسمة، وأما إذا لم تبق المنفعة، بل يتضرر كل واحد منهما لا بقسمة القاضي، كما إذا كان حمامًا بينهما، أو بيتًا صغيرًا، أو حائطًا بينهما، وما أشبه ذلك مما يحتاج في قسمته إلى الشق والقطع، فلا يقسم ذلك حتى يتراضيا عليه، ولا يقسم برضا أحدهما دون الآخر، وعند التراضي على القسمة روايتان؛ في رواية: لا بأس للقاضي أن يلي شق ذلك بنفسه ويقطعه بإذنهما، وفي رواية أخرى: لا يلي ذلك بنفسه، بل يفوض ذلك إليهما فيما يفعلانه [هذا إذا لم يكن من أموال الربا، فإن كان من أموال الربا فلا اعتبار لتراضيهما عند فضل] (٦) أحدهما على الآخر قدرًا، والأصل أن التراضي في القسمة على الضرر جائز، كما ذكرنا، والتراضي على الربا لا يجوز لقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (٧) حتى أنه لو كان كر حنطة بين رجلين نصفين؛ ثلاثون مختومًا منها رديئة قيمتها عشرة دراهم، وعشرة مخاتيم منها صبرة قيمتها عشرة؛ فتراضيا على أن يكون الثلاثون الرديئة لأحدهما، والعشرة الجيدة للآخر، فلا يجوز؛ لأنه ربا؛ لأن الذي قبض الثلاثين كان له في جملة الكر عشرون مختومًا، وقد قبض زيادة العشرة بأداء الجودة في العشرة المتروكة لصاحبه، فيكون ربا وإن تراضيا عليه لم يجز أيضًا؛ لأن الكيلي أو/ الوزني عند ملاقاة جنسه لا غير (٨) للوصف والقيمة، وإنما العبرة للقدر، وهو الكيل في المكيل، أو الوزن في الموزون.


(١) المحيط البرهاني: ٧/ ٣٣٤.
(٢) ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(٣) في (ع): «وإذا».
(٤) في (ع): «في».
(٥) في (ع): «والموزون».
(٦) ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(٧) سورة البقرة، من الآية: ٢٧٥.
(٨) في (ع): «غيره».