للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأما إذا كانت الأعيان المشتركة من أجناس مختلفة، فطلب أحدهما قسمتها بينهما فلا يقسمها إلا بتراضيهما جميعًا؛ لأن القسمة في مختلف الجنس مبادلة كالتجارة، والتراضي في التجارة شرط؛ لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} (١). كذا في «شرح الطحاوي» في مواضع متفرقة (٢).

وإن لم يفعل نصب قاسمًا يقسم بالأجر، [أي:] (٣) وإن لم ينصب قاسمًا يرزقه من بيت المال ينصب قاسمًا يقسم بالأجر، ويقدر أجر مثله، أي: ويقدر القاضي أجر مثل قسمة القاسم، وأبعد عن التهمة، أي: تهمة الميل إلى أجر (٤) المتقاسمين [في مواضع متفرقة] (٥) بسبب ما يعطيه بعض الشركاء [تارة] (٦).

وفي «الذخيرة» (٧): ويجوز للقاضي أن يأخذ على القسمة أجرًا، ولكن المستحب له أن لا يأخذ، وهذا لأن القسمة ليس بقضاء على الحقيقة حتى لا يعترض على القاضي مباشرتها، وإنما الذي يعترض عليه جبر الآبي على القسمة، إلا أن لها شبهًا بالقضاء من حيث إنها [لا] (٨) تستفاد بولاية القضاء حتى ملك القاضي جبر الآبى، ولم يملك الأجنبي ذلك؛ فمن حيث إنها ليست بقضاء جاز أخذ الأجر عليها، ومن حيث إنها تشبه القضاء يستحب ألا يأخذ بالأجر عليها، ولو اصطلحوا فاقتسموا جاز، أي: الشركاء ثم (٩) يرفعوا الأمر إلى القاضي، بل اقتسموا بأنفسهم باصطلاحهم، فهو جائز؛ لأن في القسمة معنى المعاوضة فيثبت بالتراضي، كما في سائر المعاوضات. كذا في «أدب القاضي»» (١٠).

القسام: جمع القاسم، كالزراع جمع الزارع.

التواكل: هو أن يتكل بعضهم على بعض.

ثم معنى قوله: «ولا يترك القسام يشتركون، أي: لا يخلي القاضي القاسمين المعينين وأنفسهم على رأيهم في الاشتراك [لكن] (١١) بحيث لا يتجاوز أمر القسمة عنهم إلى غيرهم؛ لأنه لو عينهم في الاستئجار، لعل القسام يكلفون الأجر زيادة على أجر المثل؛ فيتضرر بها المتقاسمون، بل يقول القاضي لكل واحد من المتقاسمين: استدانت (١٢) بالقسمة من غير مشاركة الأجر، فكان كل واحد منهم مأذونًا ومجازًا بالقسمة من جانب القاضي، فحينئذ يتسارع كل من القسام إلى ما يتيسر من الآخر (١٣) فيقسم الأموال المشتركة بأرخص الأمور؛ كيلا يفوت منه ذلك الأجر، وإن قل فلا يتضرر المتقاسمون؛ [كأجرة الكيال والوزان، يعني: إذا استأجروا الكيال ليعقل الكيل فيما هو مشترك بينهم، فالأجر (١٤) على قدر الأنصباء، وكذلك الوزان، وهذا لأن المقصود بالقسمة أن يتوسل كل واحد منهم إلى الانتفاع بنصيبه، ومنفعة نصيب صاحب الكبير أكثر من منفعة نصيب صاحب القليل؛ فيجب أن يكون الأجر على صاحب الكثير أكثر لما أن الغرم مقابل بالغنم، فصارت الأجرة كالزوائد الحاصلة من الملك المشترك، كالثمار والأولاد، فهي على قدر الملك بينهما بالاتفاق.


(١) سورة النساء، من الآية: ٢٩.
(٢) ينظر: البناية: ١١/ ٤٠٣.
(٣) زيادة من: (ع).
(٤) في (ع): «أحد».
(٥) ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(٦) في (ع): «بسبب زيادة».
(٧) ينظر: المحيط البرهاني: ٧/ ٣٨٦.
(٨) زيادة من: (ع).
(٩) في (ع): «لم».
(١٠) ينظر: العناية: ٩/ ٤٢٩، البناية: ١١/ ٤٠٤.
(١١) زيادة من: (ع).
(١٢) في (ع): «استأذنت».
(١٣) في (ع): «الأجر».
(١٤) في (ع): «فالأجرة».