للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فكذا الأجر، وكذلك إذا استأجروا رجلاً لبناء جدار أو تطيين سطح بينهم، فإن الأجر يجب على التفاوت.

ولأبي حنيفة -رحمه الله (١) - (٢) أن الأجر مقابل باليمين، وأنه لا يتفاوت، ومعنى هذا الكلام هو أن القاسم لا يستحق الأجر بالمساحة، ومد الأطناب [في المشي] (٣) على الحدود؛ لأنه لو استعان في ذلك بأرباب الملك استوجب كمال الأجر إذا قسم بنفسه فعرفنا أنه إنما يستوجب الأجر بالقسمة، وهي تمييز نصيب كل واحد منهم، ولا تفاوت بينهم في ذلك، وأنه كما يتميز نصيب صاحب الكثير بعمله عن نصيب صاحب القليل، كذلك يتميز نصيب [صاحب] (٤) القليل عن نصيب صاحب الكثير، وقد لا يتصور إفراز القليل عن الكثير إلا بما يفزر الكثير منه؛ فكان عمل الإفراز واقعًا لهما جملة، وكذلك الحساب فإن معرفة [حساب] (٥) النصيب الكثير يحتاج [لإفراز] (٦) القليل منه، كما يحتاج لإفراز الكثير، وكان العمل من حيث الحساب واقعًا للجملة.

بخلاف تطيين السطح، وبناء الجدار؛ لأن الأجر ثم مقابل بالبناء والتطيين، ونفس ذلك الفعل مقدر بقدر المكان (٧)، ألا ترى أن ما يحصل بعمله من البناء والطين المبسوط يكون بينهما أثلاثًا، فكذلك بدله، وأما المقسوم أثلاثًا فلم يحصل بعمله، بل حصل بالإفراز والتمييز لا غير، وهو واقع لهما؛ لأن التمييز يحصل بعمل/ واحد، وهما في ذلك العمل سواء.

وبخلاف الزوائد فإنها تتولد من الملك، وإنما يتولد بقدر الملك.

وبخلاف النفقة، فإنها لإيفاء الملك، وحاجة صاحب الكثير إلى ذلك أكثر من حاجة صاحب القليل. كذا في «المبسوط» (٨) و «الأسرار»، فيتعذر اعتباره، أي: اعتبار كون صعوبة الحساب بالنظر إلى القليل، يعني: ربما يكون عمله في نصيب صاحب القليل أكثر، فإن الحساب لا يدق إذا استوت الأنصباء، وإنما يدق عند تفاوت الأنصباء، ويزداد فيه بقلة بعض الأنصباء؛ فلعل تمييز نصيب صاحب ذلك العمل سواء، والكيل والوزن إن كان للقسمة، قيل: هو على الخلاف، يعني: إذا استأجروا رجلاً لكيل الحنطة المشتركة بينهم، أو لزرع ثوب مشترك بينهم إن كان الاستئجار لأجل القسمة، والمسألة على الخلاف؛ لأن القليل إنما يفرز عن الكثير الذي يقرر الكثير منه، وكان العمل في كل نصيب بشرط الإفراز للآخر (٩) عنه، كالحساب في الفصل الأول، فلم يظهر التفاوت، وأما إذا كان الاستيجار لنفس الكيل والزرع؛ ليصير المكيل والثوب معلوم القدر والزرع، فالأجر على قدر الأنصباء؛ لأن الأجر استحق بإزاء فعل الكيل من غير اعتبار إفراز، وفعل الكيل يتعذر بقدر المكيل، فتفاوت البدل أيضًا. كذا في «الأسرار»، و «الذخيرة» (١٠)، وهو العذر لو أطلق، ولفظ هو إشارة إلى قوله: (فالأجر مقابل بعمل الكيل والوزن)، يعني: أن قولهما يتقدر بقدره؛ كأجرة الكيال والوزان لو كان مجرى على إطلاقه، فالجواب لأبي حنيفة -رحمه الله (١١) - عن ذلك هو إنما تفاوت الأجر هناك على قدر الأنصباء؛ لأن كيل نصيب صاحب الكثير أشق وأصعب من كيل نصيب صاحب القليل لا محالة، فلذلك كانت الأجرة هناك بحسب الأنصباء لا بحسب رءوس المتقاسمين، وإلى صحة رواية الإطلاق قال الإمام المحقق شمس الأئمة السرخسي حيث قال في «المبسوط»: «وأما أجر الكيال والوزان فقد قال بعض مشايخنا: هو على الاختلاف، فإن المكيل والموزون يقسم بذلك، والكيال والوزان بمنزلة القسام»، ثم قال: «والأصح أن أبا حنيفة يفرق بينهما، ويقول هناك: إنما استوجب الأجر بعمله في الكيل والوزن» (١٢).


(١) في (ع): «رضي الله عنه».
(٢) ينظر: العناية: ٩/ ٤٢٩.
(٣) في (ع): «والمشي».
(٤) ساقطة من: (ع).
(٥) ساقطة من: (ع).
(٦) في (ع): «إلى إفراز».
(٧) في (ع): «الإمكان».
(٨) ينظر: المبسوط: ١٤/ ٩٧.
(٩) في (ع): «الآحر».
(١٠) ينظر: المبسوط: ١٥/ ٦، البناية: ١١/ ٤٠٦.
(١١) في (ع): «رضي الله عنه».
(١٢) ينظر: المبسوط: ١٥/ ٦.