للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألا ترى أن يونس -عليه السلام- في مثل هذا استعمل القرعة مع أصحاب السفينة، كما قال الله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} (١)، وذلك لأنه علم أنه هو المقصود، ولكن (٢) لو ألقى نفسه في الماء ربما ينسب إلى ما لا يليق بالأنبياء، فاستعمل القرعة لذلك.

وكذلك زكريا -عليه السلام- استعمل القرعة مع الأحبار في ضم مريم -رضي الله عنها- إلى نفسه، وقد كان علم أنه أحق بها منهم؛ لأن خالتها كانت عنده، ولكنه استعمل القرعة تطييبًا لقلوبهم؛ قال الله تعالى: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} (٣).

ثم إن كان القاضي هو الذي يقسم بالقرعة أو نائبه، فليس لبعض الشركاء أن يأبى ذلك بعد خروج بعض السهام، كما لا يلتفت إلى إباء بعض الشركاء قبل خروج القرعة، وإن كان القاسم يقسم بينهم بالتراضي، فيرجع (٤) بعضهم بعد خروج بعض السهام كان له ذلك إلا إذا خرج السهام كلها إلا واحدًا؛ لأن التمييز هاهنا يعتمد التراضي بينهم، ولكل واحد منهم أن يرجع قبل أن يتم، وبخروج بعض السهام لا يتم، وكان هذا كالرجوع عن الإيجاب/ قبل قبول المشتري؛ فأما إذا خرج جميع السهام إلا واحد فقد تمت القسمة؛ لأن نصيب ذلك الواحد تعيَّن خرج أو لم يخرج، فلا يملك بعضهم الرجوع بعد تمام القسمة.

(فيملك الإلزام)، أي: القاضي، أو القاسم بنيابته.

(ولا يدخل في القسمة الدراهم)، أي: الدراهم التي ليست في التركة لا تدخل لتجربتها نقصان بعض الأنصباء، بل يجبر النقصان بشيء من التركة.

صورته: دار بين جماعة فأرادوا قسمتها، وفي أحد الجانبين فضل بناء، فأراد أحد الشركاء أن يكون عوض البناء دراهم، وأراد الآخر أن يكون عوضه من الأرض بجعل العوض من الأرض لا من الدراهم إلا إذا تعذر، على ما ذكر في الكتاب.

وإنما قلنا هكذا؛ لأنه ذكر قبل هذا، ولا يقسم الجنسين، ولأنه علل المسألة بقوله؛ لأنه لا شركة في الدراهم.

ودراهم الآخر في ذمته، أي: وقت القسمة.

بخلاف البيع حيث لا يفسد في هذه الصورة، وهي ما إذا باع دارًا أو أرضًا، ولا يتمكن المشتري من الاستطراق، ولا من يسيل الماء إلى الأرض؛ لأن المقصود منه أي: من البيع يملك العين، أي: للمشتري، وأنه بجامع تعذر الانتفاع، كبيع الجحش الذي هو غير منتفع به في الحال فإنه يجوز، وذكر في «المبسوط» (٥) وإن لم يذكر الحقوق والمرافق فالقسمة فاسدة.


(١) سورة الصافات، من الآية: ١٤١.
(٢) في (ع): «لكن».
(٣) سورة آل عمران، من الآية: ٤٤.
(٤) في (ع): «فرجع».
(٥) ينظر: المبسوط: ١٥/ ١٥.