للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي «الذخيرة» (١) فإن ظهر دين بعد القسمة، فالقسمة مردودة إلا أن يقضوا دينه من مالهم؛ لأن حق الغرماء يتعلق بالتركة، وتعلق حق الغرماء المقسوم يمنع نفاذ القسمة حتى يسقط حقه، كما يمنع نفاذ البيع، وكذلك لو ظهر وارث آخر أو موصى له بالثلث أو الربع فالقسمة مردودة؛ لأنه ظهر أن في التركة شريكًا آخر، وقد قسموا دونه؛ لأن الدين يمنع وقوع الملك للوارث حتى إذا كان في التركة المستغرقة بالدين عند [هو] (٢) ذو رحم محرم للوارث لا يعتق، وكذا (٣) إذا كان غير محيط، إلى آخره.

اعلم أن الورثة إذا طلبوا قسمة التركة من القاضي، وعلى الميت دين، والقاضي يعلم به، وصاحب الدين غائب، فإن كان الدين مستغرقًا للتركة فالقاضي لا يقسمها بينهم؛ لأنه لا ملك لهم في التركة؛ لأن الدين مقدم على الميراث والقسمة لتوسل كل واحد من الشركاء إلى الانتفاع بنصيبه، وذلك الورثة (٤) بعد قضاء الدين؛ قال الله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (٥)، فلا يكون في القسمة فائدة فلا يقسمها، وإن كان الدين غير مستغرق للتركة فالقياس أن لا يقسمها أيضًا، بل يوقف الكل؛ لأن الدين شاغل لكل جزء من أجزاء التركة حتى لو ملك جميع التركة إلا مقدار الدين كان ذلك لصاحب الدين، وهذا القياس قول أبي حنيفة الأول، ولكنه استحسن فقال (٦): «قل ما تخلو التركة عن دين يسير ويفتح أن يقف عشرة آلاف درهم بدين عشرة دراهم، فالأحسن أن ينظر للفريقين جميعًا فيقف من التركة قدر الدين لحق الغرماء، ويقسم ما زاد على ذلك [مراعاة لحقهم» (٧)، وقد نظر للميت أيضًا من حيث إن وارثه يقوم بحفظ ما يصيبه من ذلك ويكون] (٨) مضمونًا عليه ما لم يصل إلى صاحب الدين حقه، ولا يأخذ كفيلاً [بشيء من ذلك] (٩) قبل هذا، على قول أبي حنيفة (١٠).

أما على قولهما: يأخذ منه كفيلاً، وإن لم يكن الدين معلومًا للقاضي سألهم القاضي: هل عليه دين أم لا؟ فإن قالوا: لا. فالقول قولهم، ويقسم المال بينهم، لتمسكهم (١١) بالأصل، وهو فراغ ذمة الميت عن الدين، ولأن المال في يدهم فقد زعموا أنه خالص حقهم فيقبل قولهم، فإن ظهر دين بعد ذلك نقض القسمة بينهم؛ لأنه لو كان الدين معلومًا لم يشتغل بالقسمة، فكذلك إذا ظهر بعد القسمة؛ لأنه [عين] (١٢) تبين أن القسمة كانت قبل أوانها، فإن أوان القسمة ما بعد قضاء الدين. كذا في «المبسوط» (١٣) و «الذخيرة» (١٤).


(١) ينظر: المحيط البرهاني: ٧/ ٣٦٨.
(٢) ساقطة من: (ع).
(٣) في (ع): «وكذلك».
(٤) في (ع): «الوارث».
(٥) سورة النساء، من الآية: ١١.
(٦) ينظر: المبسوط: ١٥/ ٣٣.
(٧) ينظر: المصدر السابق: ١٥/ ٣٤.
(٨) ساقطة من: (ع).
(٩) في (ع): «من ذلك بشيء».
(١٠) ينظر: المبسوط: ١٥/ ٣٤.
(١١) في (ع): «ولتمسكهم».
(١٢) ساقطة من: (ع).
(١٣) ينظر: المبسوط: ١٥/ ٣٤.
(١٤) ينظر: البناية: ١١/ ٤٥٩، حاشية الشلبي: ٥/ ٢٧٥.