للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والفرق: أن المدة في المعاملة معلومة عرفًا؛ لأن ابتداء العمل مما لا يتقدم ولا يتأخر في النخيل والكروم في الأماكن كلها، وإن تقدم أو تأخر كان يسيرًا لا عبرة له فيما بين الناس، وإذا كان ابتداء العمل هكذا، ولا يتقدم انتهاء العمل ولا يتأخر أيضًا فكانت المدة معلومة عرفًا، أما في باب المزارعة المدة غير معلومة عرفًا؛ لأن ابتداء العمل فيها مما يتقدم ويتأخر عرفًا تفاوتًا فاحشًا، فإن من الناس من يزرع في الخريف، ومنهم من يزرع في الربيع، وإذا كان ابتداء العمل مما يتقدم ويتأخر عرفًا كان الانتهاء كذلك، فكانت المدة مجهولة؛ فلا يجوز.

(ولم يبلغ الثمر) أي: ولم يبلغ الغرس الإثمار معاملة حيث لا يجوز إلا ببيان المدة بأن يذكر سنين معلومة؛ لأنه لا يدري في كم يحمل الشجر والنخل والكرم الثمر؟ فالأشجار تتفاوت في ذلك بتفاوت مواضعها من الأرض بالقوة والضعف، وإن بينا مدة معلومة صار مقدار المعقود عليه من عمل العامل معلومًا فيجوز، وإن لم يبينا ذلك لا يجوز.

وبخلاف ما إذا دفع نخلاً أو أصول رطبة على أن يقوم عليها، أي: حتى يذهب أصولها، وينقطع نباتها أي: حينئذ لا يجوز.

أما إذا دفع النخيل أو أصول الرطبة على أن يقوم عليها معاملة مطلقًا فيجوز إذا كان للرطبة جزة معلومة فتقع المعاملة في النخيل على أول ثمرة تخرج، وفي الرطبة على أول جزة تجز.

وأما إذا لم يكن للرطبة جزة معلومة فلا يجوز سواء قيد بذهاب أصولها، أو أطلق ولم يذكر شيئًا؛ لأن في كل منهما جهالة المدة في الرطبة بخلاف النخيل، فإنه لو قيد بقوله: دفعتكها معاملة إلى أن يذهب أصولها فلا يجوز، وإن أطلق عن ذلك فهو جائز فتقع المعاملة على أول ثمرة تخرج في تلك السنة. إلى هذا أشار أبو اليسر (١) (٢).

وذكر في «المبسوط» في باب المعاملة (٣): ولو دفع إليه أصول رطبة على أن يقوم عليها ويسقيها حتى تذهب أصولها وينقطع نبتها على أن الخارج بينهما نصفان فهذا فاسد.

وكذلك النخل والشجر؛ لأنه ليس لذلك نهاية معلومة في العادة، وجهالة المدة في المعاملة تفسد المعاملة.


(١) هو محمد بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم، أَبو اليسر، صدر الإسلام البزدوي، فقيه بخاريّ، ولي القضاء بسمرقند، انتهت إليه رياسة الحنفية في ما وراء النهر، له تصانيف، منها: «أصول الدين»، توفي في بخارى. ينظر: تاريخ الإسلام: ١٠/ ٧٤٦.
(٢) ينظر: تبيين الحقائق: ٥/ ٢٨٤، البناية: ١١/ ٥١٢.
(٣) ينظر: المبسوط: ٢٣/ ١٠٤.