للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الجَوَابُ عَنْ تَعَلُّقِهِ بِالآيَةِ، فَقُلْنَا (١): المُسَارَعَةُ إِلَى مَغْفِرَةِ اللهِ، إِنَّمَا تَكُونُ فِي المُسَارَعَةِ إِلَى الشَّيْءِ، الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ فِي تَكْثِيرِ الجَمَاعَةِ، لَا فِي تَقْلِيلِهَا، وَلَكِنْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا فِي التَّنْوِيرِ، فَكَانَ فِي التَّنْوِيرِ؛ مُسَارَعةً إِلَى المَغْفِرَةِ، لَا فِي التَّغْلِيسِ، عَلَى أَنَّ الآيَةَ عَامَّةٌ، فَنَحْمِلُهَا عَلَى بَعْضِ الصَّلَوَاتِ، بِدَلِيلِ مَا رُوِّينَا، كَذَا فِي المَبْسُوطَيْنِ " (٢)

وَالمَعْنَى الفِقْهِيُّ فِيهِ؛ أَنَّ تَأْخِيرَ الفَجْرِ إِلَى آخِرِ الوَقْتِ، مُبَاحٌ بِالإِجْمَاعِ، لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَتقْلِيلُ الجَمَاعَةِ؛ أَمْرٌ مَكْرُوهٌ، وَكَذَلِكَ إِيقَاعُ النَّاسِ فِي الحَرَجِ، وَالتَّغْلِيسُ بِالفَجْرِ يُؤَدِّي إِلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ (٣): إِمَا إِزْعَاجُ النَّاسِ لِأَوَّلِ الوَقْتِ، وَفِيهِ حَرَجٌ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِخِلَافِ العَادَةِ، وَإِمَّا تقْلِيلُ الجَمَاعَةِ؛ وَهُوَ فَاسِدٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نهَى مُعَاذًا (٤) عَنْ التَّطْوِيلِ فِي القِرَاءَةِ (٥)، وَعَلَّلَ لَهُ بِتَنْفِيرِ النَّاسِ عَنْ الجَمَاعَةِ.


(١) فِي (ب): (قلنا).
(٢) ينظر: "المَبْسُوطِ" للسرخسي (١/ ١٤٦).
(٣) فِي (ب): كلمة غير واضحة.
(٤) معاذ: هُوَ الصحابي الجليل معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي، من بني سلمة، الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الرحمن. أسلم وله ثماني عشرة سنة، شهد العقبة وبدراً، وكَانَ إمامَا ربانيا، قَالَ له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يا معاذ، والله إني أحبك». توفى: ١٨ هـ.
انظر: "سير أعلام النبلاء للذهبي " (١/ ٤٤٣) "تاريخ الإسلام للذهبي " (٢/ ١٠١) "أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير " (٤/ ٤١٨) " الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر " (٦/ ١٠٧).
(٥) فَإِنَّ معاذاً -رضي الله عنه- لمَا طوَّل القراءةَ قَالَ له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟ اقْرَأْ بِسُورَةِ كَذَا، وَسُورَةِ كَذَا». أخرجه الشافعي فِي "مسنده" (١/ ٢٢٦)، كتاب الصلاة، بَابُ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ وَمَا يُقْرَأُ فِيهَا، حديث (١٤٥)، وأخرجه الحميدي فِي "مسنده" (٢/ ٣٣١)، حديث (١٢٨٣)، وأخرجه ابن أبي شيبه في"مصنفه" (٣/ ٢٣٤)، كتاب الصلاة، باب مَا يقرأ به فِي المغرب، حديث (٣٦٢٥)، وأخرجه أحمد في"مسنده" (٢٢/ ٩٩)، حديث (١٤١٩٠)، وأخرجه بن خزيمة فِي "صحيحه" (٣/ ٥١)، حديث (١٦١١)، وأخرجه بن حبان فِي "صحيحه" (٦/ ١٥٩)، كتاب الصلاة، باب إعادة الصلاة، ذكر الإباحة للمرء أن يؤدي فرضه جماعة ثم يؤم الناس بتلك الصلاة، حديث (٢٤٠٠)، وأخرجه البيهقي فِي "سننه الكبرى" (٣/ ٨٥)، كتاب الصلاة، جماع أبواب اختلاف نية الإمام والمأموم وغير ذلك، باب الفريضة خلف من يصلى النافلة، حديث (٥٣٠٣). قَالَ الأرناؤوط عَنْ رواية أحمد: (إسناده صحيح علي شرط الشيخين)، وقَالَ عَنْ رواية بن خزيمة: (إسناده قوي).